على مسافة أسابيع قليلة من إنتهاء ولايته الرئاسية، يقف رئيس الجمهورية ميشال عون على مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي نصحه بأن يخرج من قصر بعبدا كبيرا كما دخله كبيرا، أو أن يسلك طريق جبران باسيل الذي يدفعه الى ضرب الدستور الذي أقسم على حمايته، والى تبني الشعارات الفارغة حول الصلاحيات وإنتقالها الى حكومة تصريف الأعمال، والى إعتماد بعض الهرطقات الدستورية، وبالتالي عدم تسليم السلطة وربما البقاء في قصر بعبدا، حيث من المفترض في حال أقدم على ذلك، أن تتعاطى معه الشرعية اللبنانية بحسب بعض الخبراء الدستوريين كمغتصب للسلطة.
لم يأت كلام البطريرك الراعي من فراغ، بل هو يترجم قناعة مسيحية أفقية بأن كل ما يحصل اليوم في دوائر بعبدا من تحضيرات لعدم تسليم الصلاحيات الى حكومة تصريف الأعمال أو التوجه نحو خيارات غير وطنية، لا يصب في مصلحة المسيحيين ولا يمت بصلة الى حقوقهم وحضورهم الذي لا يجد البطريرك الراعي فيه أي إنتقاص، بل هو يهدف الى تحقيق مصلحة جبران باسيل الذي يسعى الى تشكيل حكومة على قياسه يكون له الكلمة الفصل في مرحلة الفراغ، أو الى الحصول على ضمانات سياسية تمدد نفوذه الى العهد الجديد، أو إعتماد ترشيحه الى رئاسة الجمهورية.
وفي كل الأحوال، يبدو واضحا أن الهم الأساسي للرئيس عون في أيام عهده الأخيرة ليس الصلاحيات والحضور المسيحي والمسؤوليات الرئاسية، بقدر تأمين بقاء باسيل على قيد الحياة السياسية بعد إنتهاء ولايته، خصوصا أن “الصهر” يعيش “هستيريا” سياسية نتيجة عدم وجود حليف له يدعم طموحاته في ظل وقوف حزب الله على الحياد في ملف الرئاسة، ومواجهته معارضة شرسة ضمن التيار الوطني الحر الذي بات يُشكل محاكم عرفية تصدر قرارات الفصل لكل المخالفين للتوجهات الباسيلية.
واللافت في الأيام الأخيرة، أن رئيس الجمهورية وعلى غير عادته وبما لا يتناسب مع الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية يكثر من إعطاء التصريحات في محاولة منه لايصال الرسائل الى من يعنيهم الأمر من رئيس الحكومة الذي يتمسك بالتشكيلة التي قدمها ويعتبر أن الكرة في ملعب عون خصوصا بعد التجاوب مع مطالبه بما يخص الـ24 وزيرا، الى الحلفاء الذين يحاولون تدوير الزوايا في الملف الحكومي لكنهم على يقين بأن كل ما يريده عون هو حكومة ثلاثينية يكون باسيل من خلالها المتحكم الأول بالسلطة في حال حصول الفراغ الرئاسي.
واللافت أيضا، أن رئيس الجمهورية إرتضى مؤخرا أن يلعب دور باسيل في التهويل والتهديد والوعيد، وصولا الى إختراع عدو له ومحاولة إقناع تياره بأنه يواجه مؤامرة كونية هدفها قلب نظام الحكم وإستهداف المسيحيين وإشعال الفتنة، كل ذلك في حال إنتقلت صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف الأعمال، في حين يعلم القاصي الداني بأن كل ما يتحدث عنه عون وباسيل لا يمت الى الدستور بصلة، حيث يؤكد كبار الخبراء الدستوريين وأكثرهم من المسيحيين إضافة الى تيارات سياسية مسيحية بأن “لا شيء يحول دون تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة في حال حصل الفراغ”، كما أن كلام البطريرك الراعي جاء ليقطع الشك باليقين، عندما أكد أن “صلاحيات عون تسقط مع إنتهاء ولايته”، بما معناه أنه يغادر الى منزله ولا يمتلك تسليم الصلاحيات لأي كان كونها تنتقل بموجب الدستور الى الحكومة مهما كان نوعها.
يأسف مراقبون أن يوصل جبران باسيل رئيس الجمهورية ميشال عون الى هذه الحال من الارباك من أجل تحقيق مصالحه، لافتين الانتباه الى أن المواقف التي يطلقها رئيس الجمهورية من المفترض أن تكون الكلام الفصل في كثير من القضايا، لكن اللافت اليوم أن كثرة المواقف الرئاسية وتناقضها وإتجاهها في منحى واحد يجعلها تفقد وزنها، وتفقد قراءها ومتابعيها!..
Related Posts