ميقاتي يرسم خارطة طريق الانقاذ… غسان ريفي

ربما تأخر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تشريح الواقع اللبناني وصعوباته، لكن كان لا بد من وضع النقاط على الحروف ووضع الجميع امام مسؤوليتهم الوطنية من على منبر مجلس النواب وفي الجلسة المخصصة لاقرار الموازنة التي لم تصل الى خاتمتها بفعل تطيير النصاب..

بعد عام من العمل الحكومي المضني خرج ميقاتي عن صمته وتحدث بكل شفافية ليؤكد ان التكليف والتأليف ومنح الثقة للحكومة في مجلس النواب كل ذلك لا يؤدي الى الانقاذ، خصوصا أن وقف الانهيار ليس مهمة فردية بل هو يحتاج الى ورشة وطنية انقاذية بمشاركة كل المكونات لبلوغ بر الامان.

عندما وافق الرئيس ميقاتي على حمل كرة النار في أيلول من العام الفائت، كان يدرك ما ينتظره، لذلك هو يرفض التنصل من أي مسؤولية بحجة ان التركة ثقيلة، أو التلطي خلف شعار “ما خلونا”، كما كان يدرك ان الازمات التي ترخي بثقلها على لبنان تحتاج الى قرارات غير شعبية لذلك فقد اعد العدة لصد الهجمات التي لا تخلو من الافتراءات كما آثر عدم الترشح للانتخابات النيابية، تاركا لبعض حديثي النعمة السياسية أن يتشدقوا في الحديث عن تمثيله الشعبي والنيابي، مع علمهم المسبق لو ان ميقاتي قرر خوض الانتخابات لكان في نتائجها الطرابلسية والشمالية كلام آخر.

انتظر الرئيس ميقاتي بعد تشكيل حكومة “معا للانقاذ” ان يجمع هذا الشعار كل التيارات السياسية بدون استثناء والتي لها مصلحة بتحقيقه كون ذلك سيرتد ايجابا على جمهورها، لكن الامور جرت عكس ذلك، من تعطيل العمل الحكومي، ولجوء البعض لشعبوية مقيتة هدفها تحقيق مكاسب شعبية، الى قيام تيارات بخوض الانتخابات النيابية على ظهر الحكومة ورئيسها برفض الكثير من المشاريع من دون طرح البدائل، فضلا عن السلوك الكيدي الذي تمت ممارسته مع رئيس الحكومة وكأن العراقيل ووضع العصي في الدواليب ستطال فريقا دون آخر ولن تضاعف من حجم الازمات التي ترهق اللبنانيين عموما. 

تحمل الرئيس ميقاتي كل ذلك من دون تذمر او رمي مسؤوليات على أي كان، وكلما اقفل باب أمامه سارع الى فتح أبواب، وكلما تعطل مجلس الوزراء استعاض عنه باللجان الوزارية وبالاجتماعات المصغرة بهدف تسيير شؤون الناس، حتى بعد استقالة الحكومة وتعرضها لأسوأ انواع الاستهدافات لمنعها من تسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال حصل الشغور الرئاسي يسعى ميقاتي وفق الامكانات المتاحة لمتابعة تأمين تسيير المرافق العامة وانصاف الموظفين وايجاد الحلول لبعض المشاكل الملحة.

بالامس جسّد نجيب ميقاتي صورة رجل الدولة الذي عرض للواقع المتأزم كما هو، واعطى أملا بأن الحلول ليست صعبة، وقدم خارطة طريق لكيفية استعادة التوازن اللبناني الذي يبدأ من انصاف الموظفين، خصوصا اذا ما تضافرت جهود الجميع من اجل الانقاذ وخصوصا مجلس النواب الذي يعتبر شريكا للحكومة.

واللافت ان ميقاتي لم ينس ملفا ولم يتجاهل فئة، ولم يغض النظر عن أزمة، ولم يهمش قطاعا، ولم يتهاون في حقوق المودعين او في مطالب المواطنين الاساسية، وحرص على اعادة مدّ اليد للجميع للتعاون في عملية إنقاذية باتت اكثر من ملحة للحؤول دون المزيد من الانهيارات.

بدا واضحا أمس، ان نجيب ميقاتي يحارب على اكثر من جبهة بدءا بالمسؤوليات الملقاة على عاتق حكومة تصريف الاعمال، الى التعطيل الذي يواجه تأليف حكومة جديدة، الى مواجهة كل الازمات المتراكمة، الى التحركات والاعتراضات الشعبية التي يؤكد انها محقة، الى النكد السياسي الذي يمارسه البعض من دون الالتفات الى واقع البلد ومعاناة الناس، وهو رغم ذلك ما يزال صامدا ومحافظا على هدوء يختزن صلابة بدأت تتطهر في مواقف عدة تهدف الى حماية البلد والحفاظ على الدستور وصون حقوق اللبنانيين.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal