اللي إستحوا ماتوا!… حسناء سعادة

هذه الليلة بيتي دافىء، قابعة انا امام المدفأة، اتقاء من البرد القارس الذي لف لبنان من شواطئه الى اعلى جباله، متكئة على بقايا حطب من ارض ورثتها عن اهلي، شاكرة نعم الله التي لا تزال حتى الساعة تقينا شر العوز الذي طرق ابواب معظم اللبنانين، وربما اذا استمر الوضع الانهياري، سيطرق بابنا وباب من بقي صامداً حتى الساعة في هذه الظروف الصعبة.

دافئة انا هذه الليلة داخل منزلي، لكن افكاري سرحت الى اولئك الذي لا يملكون ثمن المازوت أو الغاز للتدفئة والذين لم يسعفهم الحظ برزمة حطب من بستان مجاور او من ارض يملكونها ويشحلونها وان كانت لا تحتاج بهدف الحصول على حطب يقيهم من برد الشتاء الذي يبدو انه سيمتد في هذه الايام الصعبة على غير عادته الى مطلع الربيع.

بيتي دافىء جداً ولكن قلبي يرتجف خوفاً على كثر لا يحتاجون فقط الى “كمشة دفا” بل الى الخبز ايضاً الذي يكاد يصبح فقط في متناول الميسورين، يحتاجون اقله الى البيض والزعتر والزيت لسد رمق اطفالهم بعد ان استغنوا عن الحليب والالبان والاجبان واللحوم وحتى الخضار التي اصبحت اسعارها بالدولار من دون ان ننسى ان معظم العائلات استغنت عن الفواكه ايضاً.

يا الله ما هذا الظلم؟ والى متى سيدفع المواطن اللبناني اثمان السياسات الخاطئة لمسؤوليه الذين لا يزالون يعتلون المنابر ويمارسون لعبة شد العصب قبل اشهر من الانتخابات وكأن البلد بالف خير فيما حتى الساعة ما من خطاب تحدث عن خطة او حل لمعاناة لا يبدو انها ستنتهي قريباً؟.

لا كهرباء دولة، تقنين هائل لمولدات الاشتراك في العديد من المناطق اللبنانية، سرقات على مد عينك والنظر، احتكار، غلاء، قارورة الغاز باتت توازي نصف راتب ومثلها صفيحة البنزين ولا تزال نشرات الاخبار تعكس لنا الخطابات الرنانة للقيميين على الوطن وكلها خارج وجع الناس ومعاناتهم بحيث تصح المقولة “عن جد اللي استحوا ماتوا”.

برد قارس في الخارج لا يشعر به اهل الدولة عندنا لان بيوتهم مجهزة تجهيزاً كاملاً، ومازوتهم متوافر وبوفرة واموالهم التي نهبوها من جيوب الناس لم تنهبها المصارف التي سهلت لهم تهريبها الى الخارج، وبالتالي لا تزال الدنيا في نظرهم “وردية” فكيف لهم ان يحسوا بما يشعر به المواطن المتلفح داخل منزله بالقبعة والاغطية السميكة وجوارب الصوف ليرد عن جسده قساوة البرد؟.

مدفأتي استهلكت اليوم بقايا الحطب المخزن، ترى ماذا سأفعل في الغد اذا واظب الطقس على ما هو عليه وبقيت العاصفة تزمجر ثلجاً وامطاراً وصقيعاً، سأكون مثلي مثل اكثرية المواطنين ارتجف من البرد ومن الخوف على مستقبل مجهول وغامض لبلد لن يرحم التاريخ من اوصله الى قعر الهاوية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal