لم يعد لبنان منذ زمن بعيد وطنًا، بل أضحى مزرعة يتناتش فيها الكبار الحصص الدسمة ويُبقون على الفتات للعامة الصغار.
مشاهد يومية من إذلال وبؤس تشهد عليها طرقاتنا ومنازلنا. محكومون باختفاء مقومات الحياة كلّها، بغياب تام لدور الدولة التي تنفّذ بين الحين والآخر، مسرحيات هوليوودية لترويض غضب يتراكم…
تأتي المداهمات الأخيرة، من ضمن هذه المسرحيات، ذات الاخراج المهلهل، خزانات وقود تارة ومستودعات أدوية طورًا، والإعلام يحضر وينقل “عنتريات”، ويبقى غائبا فلا يُتابعُ بعمقٍ وجدية، ويلاحق القضية الى الخواتيم….
نعيش زمن الاحتكار، بتفاصيله المتعبة كلّها، تحكمنا مافيات تنضوي في”حزب الجشع”: نموت والدواء موجود، نشقى والبنزين متوفر، المهم ان يبقى الطمعُ سيدًا والأرباح تتدفّق….
الاحتكار في بلدي ليس شأنا معيشيًا فقط. فالإحتكار يتوافر على اختلاف أنواعه:
محتكرو الفهم، وما أكثرهم، ينبتون كالطفيليات على شاشاتنا وعلى وسائل التواصل، وقد أصبحت منصات للأفكار الملوّثة بالتبعية العمياء…
محتكرو الدين، يبثّون الطائفية والتعصّب، يشدّون عصب الجماهير ويُسهمون في تقوقع كل فئة…
محتكرو الشهداء، وجل اهتمامهم تدشين مجسم او مزار، تخليدا لذكرى، واستغلالًا لدماء …
محتكرو الفشل، في جملتهم الشهيرة “ما خلونا”، وهم ما وطئوا وزارة الا وتحولت إلى خراب..
محتكرو السلاح، في يدهم أمن دولة بكاملها، لكن قلبهم على جماعتهم أوّلًا…
محتكرو الألوان، يكتمون صوت علم لبنان، ويلوّحون بأعلامهم الخاصة، ويتلطّون، في محاور خارجيّة تخصُّ كلَّ محتكرٍ منهم…
محتكرو الدستورية، الواقفون بثبات أمام أيّ تقدم سياسي، يحرز على صعيد تشكيل الحكومة او إيجاد حلول ناجعة…
محتكرو أموالنا وجنى العمر، قاهرو أجيال وثقت بالقطاع المصرفي اكثر من جيوبها الخاصة…
محتكرو الأوهام، من باعوا 900 الف وظيفة من دون ان يملكوها…
محتكرو الساحات، أسياد “البلطجة”، كلما تهبُّ نسمة لمحاسبة زعيم نزلوا واحتلوا الجسور امتعاضًا ودفاعًا…
محتكرو تسكير الطرقات، الاستنسابيون، يقهرون الصالح والطالح في آن من دون سبب مقنع…
محتكرو الثورة، هؤلاء لم يستطيعوا تنظيم الصفوف وتوحيد الاهداف ففشلوا بالعشرة…
وغيرهم.
يبقى السؤال: لماذا لا يزال الشعب يحتكر الطائفية والتبعية؟ في وقت توهمنا السلطة أنها تعمل بنشاط لتحسين الوضع العام، فيما هي فعليًا تحتكر كل شيء حتى الأمل، وترمي بسخاء على رؤوسنا خناجر اليأس القاتلة…
احتكار الامل هو القضاء على بصيص أحلامنا، هو دوسٌ على ما تبقى من كرامتنا، هو الإمعان في اذلالنا اليومي…
دولتي فعلت هذا: تحتكرُ الأمل وقد تنتهي صلاحيته قريبًا..
مواضيع ذات صلة: