العالم الإفتراضي حين ينهار!… رنا البايع

توقف فايسبوك وأخواته… فحلّت الكارثة…. سقط نيزك على العالم الافتراضي، فاختلّ توازنه وتوقف عن الدوران….

سبع ساعات من سُباتِ الخدمة، كانت كفيلة بنشر الذعر في قلوب المنتسبين، فذاقوا لمرة أولى ″العيش من دون فايسبوك″….

غرقَ الكون الافتراضي في زوبعة أخبار، يترقّب تصليح الأعطال، ومحاولات انعاش المواقع لتعود تنبضُ حياة…

هذا التوقف الفجائي، وتداعياته على النفسيات، الضائعة من دون حافز يشغلها، يطرح شكوكا كثيرة حول امكان استمرار العالم في غياب العالم الافتراضي؟

وهل سيتمكن البشر من “البقاء” بلا هذه التكنولوجيا المتحكمة، بمفاصل الحياة، والمتلاعبة بمصيرها؟

وكيف لوسائل التواصل، لا سيما فايسبوك، أن تنجحَ في ربط 2.2 مليار شخص وتفصلهم عن بعض، في الوقت ذاته، بحسب ما يقول روجر ماكنميه المستشار السابق لمؤسس موقع فايسبوك مارك زوكربيرغ؟ وهو يقترح اعداد لجنة تُراقبُ سلامة منتجات التكنولوجيا، شبيهة بالوكالة الاميركية للأغذية والعقاقيرfda، لا سيما في ضوء ما قاله فرانسيس هوجن، أحد العاملين في تأسيس الموقع، من أن “منتجات فايسبوك تضرّ بالأطفال وتؤجج الانقسام وتضعف الديمقراطية”.

أسئلة كثيرة تشغل عالم الاجتماع، فيما نحن نرتدي يوميًا وعن قصد، “نظارات الوهم الوردية” حتى لا نرى بشاعة العالم، وتحوّله الى جزيرة معزولة عن الانسانية والتعاطف والمشاعر …

عالمنا الذي يرثه أبناؤنا، ملوّث بآفات قديمة – جديدة، ما كانت قبلًا بهذا الوضوح، وهذا الانتشار المخيف…

انقرضت المحبة ما بين الناس، وتسلّمت المصالح دفة الشؤون اليومية، وشوّهت العلاقات… كلّها… واستسلم الانسان الى البعد الافتراضي، فتحوّل حبيبًا افتراضيًا وصديقًا افتراضيا وحتى جارًا افتراضيا وزوجًا أو زوجةً إفتراضيّين…

التكنولوجيا تفعلُ فعلها في إبعاد الناس عن بعض، وتخلقُ عالمًا انعزاليًا محدودًا، رغم توفَر وسائل التواصل المتنوّعة..

قد نكون نتحادث كثيرا، ونتشارك صورًا وآراء، الا اننا نفتقد الى الدفء، الذي تغتصبّهُ برودة مزيفة، تزدان بأحلى العبارات. فقدنا حسّ التواصل المباشر، وهو أساس في العلاقات الانسانية المجتمعية، وصرنا متقوقعين وراء شاشات صنميّة باردة، ننتظر اشارة من هنا او جملة من هنالك…

قد نكون فقدنا حتى رغبتنا في التواصل وجهًا لوجه، فاللقاءات المباشرة بدأت تشحّ، وفي حال تحصلُ يكون الملتقون مأخوذين بهواتفهم وتطبيقاتها، ويكون الحديث، اذا حلَّ، فراغا من فراغ…

تخفقُ التكنولوجيا، ولو انها ابتكرت الاجهزة الذكية القادرة على كل شيء، في تمكين الانسان العصري الذي يسير بخطى سريعة، وحثيثة نحو هاوية السخافة المستشرية، وهو غير واعٍ لخطورة وضعه….

هو عصر التفاهة والسخافة والاستسهال والمجهود الغائب والرغبة الفاترة، والطموح المستتر. هو عصر الانعزال عن الحياة كما نعرفها، واستبدالها بحياة افتراضية، وان كانت دائما مثالية وأجمل، الا انها تبقى غشّاشة لا لون ولا طعم ولا مستقبل لها…

هي مجرد لحظات مفلترة بحسب أهوائنا، لكنها غير حقيقية، ولن تكون يومًا…

سبع ساعات من التوقف، ارتاح البعض من شقاء الابتسام الكاذب للكاميرا، ومن عناء الوقت المسروق من الحياة، للردّ على رسائل أصدقاء صوريين، ومن مجهود متابعة حياة الآخرين…

لكن، تعاظم قلق الاكثرية من إمكان تعطّل حياتها الافتراضية الحافلة بسعادة وهميّة، واضطرارها الى العودة القسرية لبؤسها، مشهد اجتماعي- نفسي تجدر دراسته…

قالوا فايسبوك ليس بخير… وهو يتحكم ويتلاعب ويقرّر على هواه….

في الحقيقة، نحن لسنا بخير!


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal