هل تنفع الثورة الافتراضية؟… رنا البايع

تحوّلت وسائل التواصل الالكترونية الى  منصات تنظير، منابر للصراخ الهزيل، شعب ينادي شعبا ليثور على دولار متفلّت يحلّق من دون حسيب او رقيب او رادع، وليرة تنهار من تعب اللحاق به، على رفع دعم عن المحروقات يحرق جيوب المواطنين، ورفع دعم عن الادوية يرفع من ضغط الدم العام، ثورة على عتمة لا امل بزوالها، ووضع عام كارثي بكل المقاييس الانسانية…

يسأل اللبنانيون بعضهم البعض على فايسبوك وتويتر، اين الشعب اللبناني لا يتحرك؟ وماذا تنتظر الانتفاضة لتلقّم الجو بثورة مرجوة؟

ويجيبون بكل هدوء ان الشعب في غيبوية، يئس من أن لا امل في التغيير وان الانتخابات العتيدة لن تفضي الى زوال هذه السلطة بل ربما ستحسن من شروط بقائها.

وينسون انهم شعب ثائر افتراضيا لم يتحرك على الارض الا بتفاوت مصالح لا يخدم قضايانا.

كل هذه الاجواء المشحونة تفضي حتما الى ثورة تقتلع الاخضر واليابس، الا في لبنان حيث الركود سيد الموقف مدعوما بيأس فضفاض.

كل هذا “السمّ في الهواء” يتنشقه يوميا اللبناني بصدر رحب، كأنه اكتسب مناعة ضد ردود الفعل، فيواجه عراقيل يومياته بهدوء مصطنع، لا غرورا ولا ثقة، وانما قرفا من تكرار التاريخ لذاته ويقينا بأن الكلام انتهت صلاحيته وبأن الافعال هزيلة امام هول الكوراث المحيطة به..

هجرة قسرية

“قرفنا من المحاولات الفاشلة لبناء وطن، تعبنا من الامل الكاذب، واختنقنا بجرعة احلام مستحيلة”، لسان حال الشباب المتعب من اجواء ما عادت تناسب احلامه.

لم يعد هناك ما اعيش من اجله في لبنان سوى اهلي الذين تعبوا كل تلك السنوات ومكافأتهم اليوم هي وداعي على المطار”، يقول ربيع (27 سنة) الذي صُرف من عمله وسيسافر مجبرا لتأمين حياة افضل لأهله.

هو موسم هجرة قسرية يعيشه اللبناني الذي ضربه تفلّت اليأس من قيوده،

واقتحم الرحيل منطِق انتظاره أمام أفق يشبه ثقبا أسود يبتلع الأحلام.

اما جودي (30 سنة) فترحل لتحقق لائحة اهداف ستمحى لو بقيت هنا:”وجدت عملا في الخارج يناسب تطلعاتي العملية والمادية في آن، تعبت من البقاء عاطلة من العمل في بلدي المنهار ولا اريد ان يضيع العمر وانا انتظر حلولا لن تأتي”.

“ارحل من اجل اولادي، لتأمين مصاريفهم، وعندما استقر سارسل بطلبهم لانني لا اريدهم ان يعيشوا في هذا الجو الفاشل”، يقول سامر (38 سنة) الذي انهى معاملات هجرته الى فرنسا ويضيف:” اريد ان اعيش بكرامتي في دولة تحفظ لي حقوقي واذا بقيت هنا سأذلّ”.

هو مفترق خطير في تاريخ لبنان الحديث، يفرغ البلد من طاقاته تاركا الارض  والعباد للمنظومة ذاتها تتحكم بمن وبما بقي…

لا جدوى

ولا يزال اللبنانيون يتساءلون افتراضيا اين الشعب اللبناني الغاضب من كل هذا الاستهتار من مسؤوليه الذين يفضلون اعطاء هواجسهم الاولوية على وقف تعطيل عمل الحكومة، ويعدّون العدّة لدرء خطرالانتخابات المقبلة من خلال تفعيل خطاباتهم الشعبوية؟

ببساطة لم يعد معظم الشعب اللبناني يكترث، تخدرت الارادة، بات هدفه فقط الرحيل عن هذه البقعة الجغرافية المنكوبة. والدليل الدامغ هو في صفوف لا

تنتهي لتجديد جوازات سفر امام الامن العام الذي اشار الى زيادة 83% في الطلب على الجوازات  بين عامي 2020 و2021، في وقت يقدم البعض الاخر معاملات هجرة في سفارات تأخذ اكثر مما تعطي…

يقبع الشعب اللبناني وراء شاشاته الباردة ينصح ويشجع افتراضيا، علما ان الثورات الافتراضية التي حركت الربيع العربي نجحت فقط لانها ترافقت بتحركات على الارض مستمرة ومتكاثرة مع مرور الوقت، اما في لبنان فغالبا ما تكون محاولات التحرك على الارض هزيلة ومتباعدة وغير مؤثرة.

حتى الانتخابات المقبلة (في حال اجريت)، وما قد تحمله من تغيير ولو محدود، لن تثني من استطاع الفرار عن الهجرة، والتغريدات اليائسة خير دليل على ذلك.

كأن منصات التواصل الاجتماعي بدل ان تشعل غضب الشعوب المتراكم تقوم بامتصاصه.

في ظل ثورات افتراصية تفشل في تحويل المجرّد الى ملموس، وسلطات تتعاقب تنهب العمر قبل الجيوب، يسير اللبنانيون بخطى ثابتة نحو الرحيل وتثبيت فقدان الشعور العام:

“لن نبكي على الوطن، سيبكي الوطن علينا…”

-رنا البايع-


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal