الرئيس الثامن للجمهورية الآمال والتحديات… بقلم: الدكتورة هالة سليمان الأسعد

بعد أربعٍ عجافٍ على إيران، رئيسي يصل إلى السلطة بالصناديق وبالأصوات نفسها التي حرمته الولاية الماضية، عناوين عريضة من الديمقراطية والحرية السياسية تؤكدها نتائج الانتخابات الإيرانية التي تظهر مدى النضج السياسي الذي وصلت إليه الجمهورية الإسلامية وشعبها وهو ما تفتقده غالبية دول المنطقة..

وصل الدكتور والقاضي المستقل ترشيحاً، الثوريّ نَفَسَاً وروحاً إلى سدة الحكم ليبدأ حكّام المنطقة البدء بتنفيذ خططتهم التي أعدّوها لاحتمال وصوله لهذا المقام.

الدول الكبرى عالمياً والدول المجاورة إقليمياً ودول المحور كلها كانت ترتب أوراقها بانتظار ما ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية مع الحظوظ الأوفر التي كانت محسوبة للرئيس المنتخَب نظراً لتاريخه وموقعه من قلوب الشعب.

إيران و الجيران علاقاتٌ متوترة و نسماتٌ من الغزَل:

إذا ما استثنينا قطراً وعُمان والكويت فيمكننا الحديث عن علاقاتٍ راكدة بين إيران وجيرانها الخليجيين وبالأخص السعودية الدولة الأكبر في مجلس التعاون والأكثر طموحاً بزعامةٍ إسلامية لكن هذا الركود لن يطول إذا توفرت العقلانية لدى الطرف المقابل وهي الطرف السعودي.

فالظروفٌ مؤاتية لإعادة العلاقات الرسمية لاسيما بعد الغزل المتبادل والذي بدأ مؤخراً خلال دورة الرئيس السابق حسن روحاني ولعب فيها العراقيون دور المضيف والوسيط.

أما اذا جئنا على موضوع اليمن  فلابدّ هنا من ترتيب الوضع جيداً في اليمن والعمل على إنهاء معاناة شعب اليمن التي طال أمدها وأهلكت الحرث والنسل بما يحفظ لليمن كرامته ويترك لشعبه تقرير مصيره بلا تدخل من أحد. وكلّي ثقة بأن هذه الدولة المقبلة قادرة على ذلك مالم تتغير الظروف ويتدخل الخبث الأمريكي ببث سمومه وتحريك أذرعه المشبوهة لضرب هذه المحاولات في مهدها، لكنه احتمال ضعيف لأن أمريكا تخوض وحيدة المفاوضات مع إيران بعيداً عن حلفائها العرب ولن توتر مفاوضاتها بحركاتٍ طائشة لا سيما أن ميزان الثقة مع الأمريكيين لا يتجاوز النصف بالمئة في نظر الإيرانيين.

اما بموضوع الكيان الاحتلالي ووصول اليمين الإسرائيلي المتطرف والحاقد الذي أعلنها صراحة عن ضربه عرض الحائط كل ما يخصّ موضوع حل الدولتين الذي كان يرسم له فلسطينيو السلطة كما خطة صفقة القرن التي رسمها الامريكي، بينما كان الإماراتيون يتغنون بأوهام سلام مزيّف واذلالي بل كانوا يروجون له.

لكن السحر انقلب على الساحر بكلماتٍ قلائل تفوه بها معتوه تل أبيب الجديد وهذا ما جعل السعودية تحمد الله على عدم التسرع بالتطبيع وحفظها ماء وجهها من وقاحة الحكومة الجديدة للكيان والمعتادة عليها دائماً بل ابقت أي علاقات باتجاه علاقات فردية او من تحت الطاولة او لتعاون شركات اسرائيلية معها..

هذا بالمجمل عرض لسياسات منطقة مما تبين ربما ان السعودي ربما اكثر ذكاءً من الاماراتي أو البحراني، ولكن ربما من مصلحة المنطقة بالعموم فإن هذه الظروف الحالية، بل ربما ونقول ربما تعتبر البيئة الأكثر خصوبةً لزراعة بذور علاقاتٍ هادئة بين الجمهورية الإسلامية ومجلس التعاون وعلى وجه الخصوص السعودية، ولكن هذا باعتقادي لا يروق للأمريكي،  والسؤال هل من مصلحة السعودية ان تتجرأ على قرار كهذا؟، وهل بإمكانها السباحة عكس التيار وان تحسب ان امن المنطقة بالعموم هو مرحلة لا تتقبل التصعيد بالتنافر بالعلاقات مع الجارة المسلمة ايران؟، وهل تقدم ايران على خطوة كهذه رغم انها مدت يدها للتعاون مرات عديدة، وبالطبع اذا كانت نية ايران الجدّية بتنفيذ تحول ما في مرحلة، فان ذلك يتطلب من الرئيس المنتخب الجرأة والقوة واختيار الرجل المناسب للتفاوض، فعلاقات إيران بدول المنطقة مهمة لأمن المنطقة واستقرارها كما أكد المرشد الأعلى للثورة مراراً و تكراراً.

الجدية وحسن النوايا والمبادرة خطوة بخطوة وحكمة الرئيس المنتخب وتأييد كل مفاصل القوة له قلباً وقالباً تجعل حظه بالفوز بهذه الجولة حظ الأسد، فلا منازع له وقد اختاره شعبه وجيش بلاده وأعلن الحرس الثوري له السمع و الطاعة بعد الولي الفقيه.

إيران و المحور في ظل الرئيس الجديد:

ما يرسمه الرئيس المنتخب بحسب الرؤية الواضحة، فان هناك ثمة تغيير في اداء ايران السياسي على مستوى المنطقة وهذا ما يفهم من تصريحات الرئيس رئيسي واذ تبدو زياراتٌ و تمهيداتٌ بين دمشق وبيروت وآخرها العراق نفذها آنذاك رئيس القوة القضائية.

بالأمس رئيس إيران، اليوم لحظاتٌ تاريخية استرقتها وثبتتها عدسات الصحافة تجمع السيد رئيسي بقادة المحور وشخصياته المؤثرة تنبئ بربيع المقاومة دبلوماسياً وتاريخياً.

اما بقضية لبنان والوضع المزري بالحال الاقتصادي والسياسي الذي يشير اليه مراقبون ويبدو ذلك واضحاً حتى ان بعض اللبنانيين وصفوه بالموت السريري، وخصوصاً بعد الضائقة الاقتصادية، وقضية المصارف وتفجير مرفأ بيروت وماله من تبعات ومحاولات لطعن المقاومة.

وهنا نقول ان محور المقاومة يعاني اليوم أسوأ الفترات الاقتصادية

في ظل خنق طهران ودمشق بالعقوبات التي طال امدها وارهق الشعبين السوري والايراني نتيجة ذلك

 ناهيك عن الإضرابات السياسية والاقتصادية في العراق والوضع الاقتصادي والسياسي الملتبس في العراق والتدخل الامريكي السافر في البلاد.

أما حسم الحالة السياسية في العراق والنتائج فان الناخب العراقي يحسمها بعد أشهر قلائل والتي يأتي بها بحكومة جديدة تحدد سياسة البلاد والأمل معقود على الشباب العراقي المقاوم وتكاتفه للمحافظة على ثمار المقاومة وضرب الفاسدين ونبذهم والتفافهم حول وطنهم ووحدتهم، هذا فقط يتم إن تمكن العراقيون بالخروج من العباءة الامريكية.

كلها مجتمعةً تشكل عبئا ثقيلاً على كاهل الرئيس الايراني المنتخب الجديد وذلك يشكل تحدياتٍ وجوديةً للمحور الذي اثخنته جراح الحروب لا سيما أن أعباء الداخل الإيراني لا تقلّ أبداً عن تلك التحديات فالشعب الذي انتخب ينتظر الثمار فإما نصر وفرج وإما المزيد من المعاناة الاقتصادية، لكن إيران القوية المستقرة يمكنها التحرك و حلحلة القضية اللبنانية بالتوافق مع المؤثرين الإقليميين في الشأن اللبناني علماً ان هذه ليست المرة الأولى التي يصل فيها اللبنانيون لطريقٍ مسدود، بسبب صراعات اقليمية تلقى تبعاتها على الوضع اللبناني، لذلك فانه يمكن أن نعتبر قضية لبنان مسألة وقتٍ فقط تنتظر التوافق الإقليمي والدولي.

اما بموضوع القضية الفلسطينية في عيني السيد رئيسي وقلبه:

لا حاجة للكلام في هذا العنوان لأن أفعال إيران أبلغ. وقد  قالها الرجل: فلسطين قضية لايمكن الحديث عنها وليست للمساومة والجمهورية كما كانت ستظل داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني الأبي حتى طرد المحتل من كامل تراب فلسطين.

سورية إلى أين؟ و أين هي في سلم أولويات الرئيس المنتخب؟

سورية الحلقة القوية والعروة الوثقى في محور المقاومة حاضرة في صدر أولويات الحكومة الإيرانية، والرئيس الإيراني المنتخب ودعمها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً هو منهجٌ ثابت، لا خيارٌ عابر للجمهورية فمن يعرف مدى عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين يُدركُ ما ينتظر هذه العلاقات من تطور واقتدار.

وبعيداً عن العموميات لابدّ من الحديث هنا بدقة والخوض في عمق التفاصيل وتحديد الأولويات وتحييد المعوقات فإنه وللأسف هناك هوةٌ عظيمة بين مستوى العلاقات إذا ما قارنا العلاقات السياسية بمستوى العلاقات الاقتصادية وهذا ما يجب العمل عليه جيداً فملايين الدولارات من عائدات الاستثمارات في سورية تنتظر المستثمر الإيراني، وبالمقابل آلاف فرص العمل الكريمة يمكن توفيرها للشباب السوري الذي يعاني ما يعانيه ورفد السوق السورية المتضررة بسلعٍ وطنية بأيدٍ سورية ومساهمةٍ استثماريةٍ إيرانية، وبالطبع الى تنسيق مع العراق.

ما يهم هنا التنسيق على أعلى المستويات والممكن من ذلك القول بتشكيل مجلس اقتصادي أعلى يتبع لرئاسة الجمهورية في كل من سورية والعراق وإيران يضمن تذليل العقبات ودفع العلاقات نحو المزيد من التقدم بعيداً عن الاجتماعات السابقة ذات العناوين الجذابة والمضامين الفضفاضة ويضع لوائحاً تنفيذية لا اتفاقياتٍ صورية تعود بالنفع على الدول الثلاث وشعبها.

أما سياسياً فإن العلاقات السورية ـ الإيرانية في أفضل أيامها، والمتوقّع انها ستمر بأبهى صورها على مدى عقدٍ من الزمن وسنرى ذلك خلال الأيام القادمة، وهنا لابد للرئيس الفقيه والقانوني ابن الثورة أن يكون له دور وبصمة تاريخية في دفع عجلة السلام وإرساء أسس المصالحة الوطنية في سورية وإنهاء معاناة الشعب السوري اليومية داخل وخارج سورية لاسيما أنه سيكون للرئيس المنتخب علاقات مميزة مع تركية تمكنه من لعب دور طيب وفعال لتهدئة الأجواء السورية التركية، وهذا متوقع من التغيير في السياسة الايرانية بهذا المجال لكن السيادة السورية ستظل كما كانت خطاً أحمر في نظر إيران و أن المس بوحدة سورية و سيادتها مرفوضٌ بلا جدال و التحالف الاستراتيجي نحو المزيد من القوة و النمو وأن حضور إيران في سورية بطلبٍ من شعبها ودولتها المنتخبة وخروجها من سورية مربوط باستقرار سورية  وإرادة دولتها وشعبها في إطار احترام سيادة الدول والأعراف الدولية.

ثم ان المتوقع في السياسة الايرانية التحلي بالسلام واليد الممدودة والمحبة لكل دول الجوار ودول العالم شرط ان لا تمس بسيادتها وبقرارها  وقد نشاهد الانفتاح على علاقاتٍ طيبة تقوم على الاحترام المتبادل مع الجميع دون المساومة على الخطوط الحمراء، ومضامين وأهداف الثورة ودماء الشهداء. وعدم السماح بالعبث  بالأمن والأمان الذي لا تهاون معهما بالفكر الايراني السياسي بشكل عام، اضافة لأننا سنلمس بشكل جلي تطوير الذات للدفاع عن مكتسبات الثورة وتحصين وحدة إيران ضد العربدة الأمريكية والصهيونية وإغلاق الثغور بوجه الإرهاب أولوياتٌ حساسة ومصيرية للدولة الجديدة التي لا مفاوضات فيها ولا نقاش عليها وهي  لا تخضع للمساومات الدولية الرخيصة.

كل ما دون ذلك يمكن الحديث عنه والجلوس على طاولات المفاوضات وتقديم حسن النوايا وطيبها وسنلاحظ في هذه الدولة وفي هذه المرحلة الرئاسية الجديدة ، تطور ملحوظ وان أذرع هذه الأمة مفتوحةٌ لكل العالم وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن لأحدٍ ردها أو نقضها أو تكذيبها فالتي ترفض الظلم لا يمكن أن تكون سبباً في ظلم الأمم أو شريكاً في مآسيها، وانها تتعامل كتعامل الكبار فما بالك في التطور المتوقع من رئاسة جديرة أن يبنى عليها وطنياً في ايران واقليمياً ونهجاً وسيادة..

الكاتب: الدكتورة هالة سليمان الأسعد


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal