أمريكا وصناعة الفشل (أفغانستان وسورية).. حالة معاصرة ونتيجةٌ متناقضة… بقلم: الدكتورة هالة الأسعد

سنوات طوال من معاناة الشعب الأفغاني مع الصراعات والحروب وشلالات الدماء، دخول السوفيات وبناء التنظيمات الإسلامية بهدف تحرير أفغانستان وإعادة الإستقرار للبلاد لكن وللأسف الحرب كانت فرصة لتصفية الحسابات الأمريكية مع السوفيات وتحقيق ما لم تستطع الحرب الباردة فعله ولهذا كانت بصمات الـ CIA واضحة وضوح الشمس في تقديم الدعم الاستخباراتي المجاني والمتمثل بالدعم النوعي الممنهج وشراء الولاءات.

نشطت الجماعات الإسلامية وأصبح لها حضورها وتم تجنيد الآلاف من المتطرفين الراديكاليين من البلاد الإسلامية. تولت جماعة الإخوان المسلمين التحشيد النفسي والعاطفي وتجييش الشباب المسلم الغيور للانخراط بهذه المعركة ومن خلفها السعودية ودول إسلامية أخرى وكان التنسيق مع الاستخبارات الباكستانية في ذروته. أسماء مهمة أهمها عبدالله عزام وأسامة بن لادن كانت من بين القيادات المهمة لتلك الحقبة.

ـ الحرب الأهلية و مرحلة التدمير الممنهج:

خرج السوفيات من أفغانستان ولكن ما لبثت آمال الأفغان أن تبددت و خيَّم عقب فرحة النصر رعب ودمار وخراب وبحر من الدماء بسبب حرب أهلية، عنوانها فصائلٌ ومجموعات إسلامية مختلفة العقائد والفكر والهدف والإرتباط، دماء دفعها هذا الشعب المسكين من فلذات أكباده وخيرة شبابه. كان ما يحصل على مرأى ومسمعٍ من الجميع وكان هذا غاية آمال الأمريكيين إذ أنه للدخول لأفغانستان في البداية خلق هذه الجماعات ثم يجب ضرب الجماعات الإسلامية ببعضها وإضعافها وخلق حالة من الحقد والتمزق في النسيج الاجتماعي بحيث يكون دخول الأمريكان سهلاً دون المخاطرة بزج القوات الأمريكية في أفغانستان والفصائل في أوج قدرتها وقوتها لذلك تم وضع الخطط وتغذيتها وتوجيه الميدان وفق هوى الأمريكي من خلال استغلال بعض الدول الإسلامية واستخباراتها.

 تسيطر طالبان على البلاد ويبدأ الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية إعداد الخطط وتركيز الأضواء الإعلامية الغربية وجهود صنّاع دعاية الحرب وموجهي الرأي العام على القضية الأفغانية، وبالحادي عشر من سبتمبر حيث بداية الخطة، وما هي إلا أيام حتى يتم فتح خطط التدخل الجاهزة بعد تصوير الفاجعة الأمريكية وإيهام الشعب والرأي العام الأمريكي أن أمريكا في خطر وأمنها القومي على المحك. فمن السهل جداً على الحكومات الغربية سرد مسوغاتٍ زائفة تقنع الشعب المذعور مما شاهده والذي لم يستوعب حجم الكارثة التي حلت بأقوى دولة في العالم جيشاً واقتصاداً واستخبارات.

دخل الأمريكيون غزاةً لأرضِ أفغانستان الممزقة المنكهة من الحرب والصراعات وجور طالبان وغياب الدولة ومؤسساتها وعدم وجود جيشٍ للبلاد يشكل درعها وسياجها إذا ما لزم الأمر.

دخل الأمريكيون أفغانستان وبدؤوا القتل والتدمير الممنهج وصناعة العملاء من ضعاف النفوس وتجهيز أدوات شكلية أفغانية المظهر أمريكية المضمون. استخدمها الأمريكيون صوراً متحركة يقودون بها بلاداً أنهكها الغزو ودمر كيانها وشرد شعبها وسكانها.

وبعد أكثر من عشرين عاماً على بدئها لم يجلب الأمريكان سوى الموت وآلاف الضحايا والمعاقين وملايين المهاجرين في إيران وباكستان وتركيا وأوروبا؟! بلادٌ تعاني فقراً مدقعاً ونقصاً في الخدمات الأساسية والتعليم والصحة ويعاني أطفالها ونساؤها أصعب ما عاناه شعب في التاريخ المعاصر.

ـ الانسحاب المفاجئ هزيمةٌ نكراء و تغطية لعورة الأمريكان:

لم يجنِ الأمريكان سوى القتلى والمعاقين والحقد ونقمة شعوب الشرق بعد أن دمروا فيتنام وأفغانستان والعراق ولم يتعلموا بعد أنهم يخرجون من مستنقعٍ ويغوصون في آخر. ولعل صورة المارينز يقطعون سلم الطائرة لمنع عملائهم المحليين من أبناء فيتنام من الصعود للطائرة وتركهم لمشانق شعبهم المخصصة للخونة والعملاء تعطي أكبر العبر والدروس التي للأسف لم يتعظ بعد عملاء أمريكا منها.

كذلك خروجها اليوم من أفغانستان وتركها لدولة أفغانستان ضعيفةً اتكالية فاشلة في العدة والعديد والجاهزية، دولة تنهار بسرعة الصوت ولولا محاولات التهدئة الإيرانية والروسية والضغط على طالبان لكانت كابل بين يدي مقاتليها منذ أسابيع.

ـ الفوضى كبديل عن الدول الحقيقية:

ولعبت وسائل الإعلام على مدى عقود بهذا البلد ثم تتركه جريحاً ينزف، وعاجزاً.

لم يكن هدف الأمريكي يوماً في كل الحروب التي خاضها تحت عنوان تحرير الشعوب، فتلك فيتنام والعراق وأفغانستان وسورية أكبر الأمثلة والعناوين التي لاشك في صحتها ولو حاولت بعض الأبواق الإقليمية تصوير الأمريكي كمخلّصٍ على زعمهم من الدكتاتوريات، فصدام تخلّى عنه شعبه قبل أن يسقط بدبابات الأمريكي بل تركه لحتفه ولم يدافع عنه حتى بكلمة ولو وقف الشعب معه لم تسقطه كل جيوش أمريكا وحلفائها.

أما سورية فلم يجرؤ الأمريكيون على دخولها وهم على بعد أمتار عن حدودها الشرقية لأن فيها شعبٌ واعٍ وقيادةٌ محنكة وجيشٌ عقائدي لم ينهزم رغم كل المغريات والضغوطات والتآمر الدولي والإقليمي والعربي للأسف. ما تثبته الوقائع التاريخية قديماً وحديثاً أن تكلفة إصلاح الدول أقل بكثير من تدميرها ونتائج الإصلاح دوماً هي الأقل خسائراً والأكثر بناء والأسرع زماناً والأفضل نتائجاً أما تدمير الجيوش واسقاط الحكومات بدعوات مختلفة ومن منطلق خارجي لا يخلق إلا الفشل والاتكالية والتبعية. أما الثورات الحقيقية هي التي تولد من رحم الأمة ويتبناها الشعب ويحملها عقيدةً وعنواناً فمحاولات اسقاط الأسد فشلت لأنها قوبلت بموقف الشعب الراسخ الذي قال كلمته في الميادين.

اليوم سوريا التي أرادوا لها أن تكون أفغانستان المتوسط تخرج منتصرة بجيشٍ موحد ودولة واحدة مركزية صامدة لا تتنازل مقدار أنملة عن ثوابتها فإن أي تنازل عن الثوابت صَغُرَ أم كبر هو بداية النهاية..

صحيح أن سورية جريحة مصابة مكلومة تعاني ويلات الحرب والإرهاب وتبعات الإرهاب الاقتصاديّ لكنها انتصرت سياسياً وكل ما نسمعه هنا وهناك هو صدى المهزومين الذي يتردد في الإرجاء.

أما وجود أمريكا في شرق الفرات فهو مرحلي مؤقت ونهاية عملائها هناك، لن تكون أفضل من نهاية عملائها في فيتنام والعراق وأفغانستان ولكنهم للأسف لا يقرأون التاريخ.

الأرض للشعوب، والأرض لأهلها، وعلى كل دولة أن يكون لديها مقدساتٍ تضاف لمقدساتها الدينية ولا تقلّ قداسةً عنها، ألا وهي وحدة أرض البلاد، دستور الأمة وجيش البلاد ومن ساوم على أحدها فهو الخائن والعميل.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal