فرص الحلّ تضيع في منطقة مشتعلة: لبنان جائزة ترضية لمن؟… عبد الكافي الصمد

خطفت التطوّرات في الأراضي الفلسطينية المحتلّة الأضواء من جميع ملفات المنطقة، دون استثناء، وعادت القضية الفلسطينية لتذكّر الجميع بأنّها القضية المركزية الرئيسية، وأنّه لا يوجد أيّ قضية أخرى تتقدّم عليها وقت الجد، لأنّ كلّ ما يحصل في المنطقة من تطوّرات وتحالفات وحروب وغيرها مرتبط بالقضية الفلسطينية، أو هو إنعكاس لها بشكل أو بآخر.

ملفّ الأزمة اللبنانية هو بطبيعة الحال أحد هذه الملفات التي تراجعت إلى الخلف وتمّ وضعه جانباً من قبل القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثّرة في السّاحة اللبنانية، وهو أصلًا ملفٌ كان قبل تطوّرات السّاحة الفلسطينية يحتلّ مرتبة ثانوية من الإهتمام الإقليمي أو الدولي، لأسباب مختلفة.

تداعيات ما يحصل من “حرب” بين الفلسطينيين والإسرائيليين من مواجهة مفتوحة إمتدت على طول وعرض الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أراضي عام 1948 إلى أراضي عام 1967، وهي غير مسبوقة أبداً بهذا الحجم، يعطي مؤشّرات واضحة بأنّ ما بعد هذه الحرب لن يكون كما قبلها، من صراع مفتوح كسر فيه الفلسطينيون جميع قواعد التفوّق الإسرائيلي السابق، وأرسوا توازن رعب مع عدوهم باللحم الحيّ.

حتى وقت قريب كان كثيرون داخل لبنان وخارجه ينصحون السّلطة والطبقة السّياسية الحاكمة أن لا يضيّعوا مزيداً من الوقت، وأن لا ينتظروا طويلاً أن يأتي حلّ الأزمة من خارج بلادهم، برغم أنّ الحلّ كما عكسه في لبنان مرتبط بالخارج، وأنّ عليهم المبادرة ولو قليلاً لإنضاج حلّ يُنهي الفراغ القاتل والإنهيار المتسارع لمؤسّسات الدولة وماليتها واقتصادها نحو الهاوية، وأنّ الفرص القليلة وغير المقنعة لأغلبهم المتوافرة اليوم قد لا تكون متوافرة غداً، ولا بعده.

يتقن المسؤولون في لبنان ببراعة إضاعة الفرص، وهم منذ الأزمة الأخيرة التي اندلعت شرارتها قبل أكثر من سنة ونصف من الآن، في 17 تشرين الأول 2019، يتبارون في هذا السياق، لأنّهم لم يفكّروا يوماً إلا في تأمين مصالحهم الضيقة على حساب مصلحة البلاد، وذهبت بهم النرجسية مذهباً إلى حدّ ظنوا معه بأنّ العالم لا ينام قبل أن يؤمّن لهم مصالحهم ويلبي كلّ مطالبهم، فلم يتوانوا عن رفض أو اعتراض أو تجاهل أي صيغة أو مبادرة معينة للحلّ، ولم يقدّموا أيّ تنازل، لاعتبارهم أن أيّ تنازل منهم هو خسارة وانتكاسة لهم لا تُعوّض.

ولأنّ ما أشبه اليوم بالبارحة، عادت الذاكرة بكثيرين إلى الوراء أكثر من 33 عاماً، وتحديداً إلى عام 1988، عندما رفض بعض الأطراف كلّ صيغ الحلّ لإنهاء الأزمة اللبنانية، ورفضوا تقديم أيّ تنازل، وركبوا رؤوسهم، ظنّاً منهم أنّ العالم سينزل عند مطالبهم وشروطهم ورغباتهم، فتفنّنوا في إضاعة فرص الحل واحدة تلو الأخرى، قبل أن يذهبوا في التصعيد إلى أبعد مدى، إلى أن جاء اجتياح العراق للكويت عام 1990 الذي جعل من لبنان جائزة ترضية على مسرح التقلبات السّريعة والهائلة في المنطقة حينذاك.

اليوم يتكرّر المشهد مجدّداً، وبدأت مخاوف البعض بالظهور قلقاً من أن يؤدي تطور الوضع في الأراضي الفلسطينية إلى مزيد من التوتر، بعدما بدأت ملامح التبدّلات في التحالفات بالمقابل تتغير بسرعة لافتة، ما جعل البعض يطرح سؤالاً مشروعاً: بعد إضاعة فرص الحل، ورفضها والتدلل عليها بسب غياب وندرة وجود رجال دولة في لبنان، لمن سيكون البلد هذه المرّة جائزة ترضية؟..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal