أين لبنان من التحوّلات الكبرى في المنطقة؟… عبد الكافي الصمد

تكاد تجمع أغلب التحليلات والقراءات على أنّ شهر أيّار الجاري سيكون شهر التحوّل الكبير في منطقة الشرق الأوسط، وبأنّ نتائج هذا التحوّل المنتظر ستظهر فيه، أو خلال شهر حزيران الذي يليه، بعدما بدأت بعض معالم هذا التحوّل بالظهور تباعاً.

أبرز معالم هذا التحوّل تتمثل في المفاوضات الإيرانية الغربية حول الملف النوّوي من أجل إعادة العمل به، بعدما ألغاه الرئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، ما يمهّد لرفع العقوبات عن طهران، واسترجاعها أموالها المجمّدة في المصارف الغربية، والتي تقدّر بمئات مليارات الدولارات، في تطوّر سيعزز بلا شك نفوذ إيران ودورها في المنطقة، وعلى رأسها لبنان.

هذا التطوّر يأتي بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وهو إنسحاب سينتهي أواخر أيلول المقبل، في خطوة تقول الإدارة الأميركية إنّها تأخرت في اتخاذها، تمهيداً للتوجّه شرقاً من أجل مواجهة التقدم الصيني الإقتصادي والعسكري، والذي بات يشكل خطراً على نفوذ أميركا وحلفائها في العالم.

تداعيات هاتين الخطوتين ترجمتا في المنطقة بشكل واضح، تحديداً على أرض الواقع بوضع الأزمة في ليبيا على سكّة الحل، أو الحديث بصوت عالٍ عن ضرورة وضع حدّ نهائي للحرب الدّائرة في اليمن، واتجاه العراق تدريجيّاً نحو الإستقرار، وهدوء نسبي شهدته جبهات القتال في سوريا بعد تقدم واضح سجلته القوات الحكومية، وجعل الكفّة تميل بشكل ملحوظ لمصلحتها، وسط دعوات واسعة لوضع حدّ للحرب في سوريا،  وإعادة الحياة إلى طبيعتها فيها.

هذه التداعيات إنعكست أيضاً سياسياً، بدءاً من إنتهاء الأزمة الخليجية بين قطر ودول مجلس التعاون، وعلى رأسها السّعودية والإمارات، وسعي تركيا لفتح صفحة جديدة مع مصر والسعودية بعد شقاق وتباعد أسهم في تدهور العلاقات بين أنقرة وكلّ من القاهرة والرياض بشكل خطير، قبل أن تدفع المصالح وتطوّرات المنطقة الدول الثلاث للتعاطي بواقعية مع دعوات الإنفتاح ومعالجة الخلافات بعد طيّها بعيداً عن التشنّج.

هذه التطوّرات والتداعيات للأحداث الكبرى في المنطقة ترجمت سريعاً في لقاء إيراني ـ سعودي غير مسبوق في العراق الشهر الماضي، وفي زيارة وفد سعودي رفيع يرأسه رئيس جهاز المخابرات خالد الحميدان إلى سوريا، يوم الإثنين الماضي، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد ونائب الرئيس للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك، حيث جرى الإتفاق على أن يعود الوفد في زيارة مطولة بعد عيد الفطر المبارك تمهيداً لإعادة فتح السّفارة السّعودية في دمشق، كخطوة أولى لاستعادة العلاقات في المجالات كافّة بين البلدين.

كلّ هذه التطوّرات والتحوّلات الكبرى تحصل في المنطقة، وفي الجوار، ولبنان غائب عنها، لا يدري ماذا يحصل إلا عبر وسائل الاعلام، ولا أحد يخبره أو يستشيره في كلّ ما يجري، والملف اللبناني بكلّ أزماته وتعقيداته وُضع جانباً، برغم أنّ البلد يقف على فوهة بركان إجتماعي وانهيار إقتصادي لم يعرفه من قبل، وفشل الطبقة السّياسية فشلاً ذريعاً في إدارة الأزمة ومعالجتها.

كلّ ذلك يدفع لطرح سؤال جوهري، هو: إذا كانت الولايات المتحدة تعيد ترتيب ملفات علاقاتها مع إيران، والسّعودية تفتح صفحة جديدة ومختلفة مع سوريا، بما سيؤدّي دون شك لانفراجات وتحوّلات واسعة في المنطقة، فأين الدولة اللبنانية ممّا يجري، وما هو موقفها من أي تسوية قد تأتي على حساب البلد وفي غيابه، وماذا سيفعل حلفاء واشنطن والرياض في لبنان الذين أصروا، بعناد، على البقاء في أماكنهم يصارعون طواحين الهواء؟..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal