إحتجاجات طرابلس وتأليف الحكومة: ترابطٌ أم انفصال؟… عبدالكافي الصمد

بعد إعلان الحكومة يوم الخميس في 21 كانون الثاني الفائت تمديد فترة الإقفال العام حتى الثامن من شهر شباط الجاري، شهدت مناطق لبنانية عدّة موجة إحتجاجات ضدّ القرار، إنطلاقاً من إنعكاساته المعيشية الصعبة على الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين وجدوا أنّ القرار من شأنه أن يزيد معاناتهم، وهم الذين يعملون يوماً بيوم من أجل تأمين قوتهم وقوت عائلاتهم، من غير أن يجد أغلبهم معيلاً لهم في مواجهة المحنة، لا الحكومة ولا سواها.

لكنّ اللافت في الأمر أنّ أغلب هذه التحرّكات الإحتجاجية ضد قرار الحكومة كان مسرحها المناطق السنّية، وخصوصاً مدينة طرابلس، بينما شهدت المناطق الأخرى في لبنان تحرّكات خجولة، أو كانت شبه غائبة، ما جعلها تبدو وكأنّها غير معنية بالقرار وتداعياته.

هذه التطوّرات الدراماتيكية على الأرض التي شهدتها عاصمة الشّمال نظر إليها سياسيون ومتابعون من زاويتين متناقضتين كليّاً، لكنهم إتفقوا على أنّ ما يجري في المدينة متعلق بشكل أو بآخر بمسألة تأليف الحكومة، والمساعي غير النّاجحة التي بذلت لهذا الغرض، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري مهمّة تشكيلها في 22 تشرين الأول من العام الماضي.

الفريق الأول نظر إلى تطوّرات طرابلس على أنّها محاولة يبذلها الفريق المناوىء للحريري، وتحديداً رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيّار الوطني الحر النائب جبران باسيلّ، من أجل دفع الحريري إلى أحد أمرين، إما قبوله شروطهما لتأليف الحكومة، أو دفعه نحو الإعتذار تمهيداً لتكليف شخصية أخرى، خصوصاً بعد الخلاف السّياسي بين الطرفين والتراشق السّياسي والإعلامي بينهما، ما جعل الهوّة كبيرة.

أمّا الفريق الآخر من السّياسيين والمتابعين فرأى أنّ الحريري هو من يُحرّك الشّارع السنّي في وجه عون وباسيل، وغيرهما، بهدف الضغط عليهما للتنازل عن مطالبهما في ما يتعلق بتأليف الحكومة، وللقول لهما وسواهما أنّه هو من يمسك بالشّارع السنّي، وأن هذا الشارع ينتابه الكثير من الغضب، لأسباب مختلفة، وأنّ تأليف الحكومة هو المدخل الوحيد لتبريد هذا الغضب وإنهاء الإحتجاجات في الشّارع السنّي، قبل أن يمتد إلى بقية الشّوارع، ويضع البلد كلّه فوق فوهة بركان.

بالطبع ساق كلّ فريق رؤيته وحجّته التي تدعم وجهة نظره بهذا الخصوص، لكنّ مدينة طرابلس هي التي دفعت ثمن هذا الكباش من كيسها، وعلى حسابها، وأنها استخدمت، وما تزال، كصندوق بريد لتبادل “الرئاسل المتفجّرة” بين القوى المتصارعة باعتبارها الخاصرة الرخوة، واليتيمة التي تجلس على مائدة اللئام، بعدما خرجت الإحتجاجات، التي كبرت ككرة الثلج، عن السيطرة، ودفعت المحتجين الذين جاؤوا من مشارب مختلفة، واختلط بينهم الحابل بالنابل، إلى الإعتداء على سرايا طرابلس قبل أن يقوموا بإحراق مبنى المحكمة الشرعية الموجود داخلها، وقبل توجّههم إلى مبنى بلدية طرابلس وإحراقه أيضاً، في مشهد دراماتيكي ترك إستياءً كبيراً في المدينة التي بدت متروكة لقدرها البائس.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal