لبنان يُحلّل تطوّرات أميركا من منظاره: أوهامٌ وقصر نظر!!… عبد الكافي الصمد

وأخيراً عاد اللبنانيون، نسبياً، إلى رشدهم، ووضعوا أرجلهم على الأرض تواضعاً وواقعية، بعد أيّام من التشنّج والتوتر الممزوجين بقراءات سطحية وآمال غير منطقية، ومخاوف لا أساس لها من الصحّة إلا في مخيلات كثيرة ضئيلة التفكير والتخطيط، وفقيرة في تحليل التطوّرات والتحوّلات وفهمهما.

كانت الإنتخابات الرئاسية الأميركية وتسلم الرئيس الجديد المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة في البيت الأبيض من سلفه دونالد ترامب الهمّ الشّاغل لمعظم اللبنانيين من دون استثناء، خصوصاً في الأيّام الأخيرة التي سبقت تسلم بايدن مفاتيح السلطة يوم أول من أمس، إلى حدّ أنّه لم يبق أحد، تقريباً، من اللبنانيين إلا وبات خبيراً بالشؤون الأميركية، وملمّاً ومطلعاً على خفاياها الداخلية أكثر من شؤون بلاده، وصولاً إلى توقع كثيرين مآلات الأمور في بلاد العم سام مستندة إلى الخيال والآمال والتنجيم أكثر منها الواقع والمنطق.

أغلب هذه التوقعات، باستثناء قلّة، كانت تعبّر عن إسقاطات من اللاوعي اللبناني على واقع التطوّرات في الولايات المتحدة، وذهب البعض إلى توقّع نشوب حرب أهلية خلال أيّام، وانقسام البلاد أحزاباً وطوائف ومذاهب وميليشيات، لا بل إنّ البعض رسم مسبقاً خطوط تماس تشبه تلك التي نشأت في لبنان أيّام الحرب الأهلية، أو صراعات الحارات والعائلات والإقطاعيات.

أمّا سياسياً، فقد ذهب البعض في جنوحه غير المنطقي إلى حدّ أن أزمة تأليف الحكومة المقبلة المعلقة على حبال الصراعات الداخلية والخارجية، منذ نحو ثلاثة أشهر، ستنتهي في اليوم التالي الذي يعقب تسلم بايدن مهامه، وكأنّ الملف اللبناني هو ما يؤرق الإدارة الأميركية، وستكون له الأولوية على غيره من الملفات، إلى أن جاء خطاب بايدن خلال أدائه قسم الرئاسة مخيّباً لهم، بعدما أعطى الأزمات الداخلية الجانب الأكبر من خطابه، متجاهلاً أغلب ملفات العالم الساخنة، وليس ملفاً هامشياً كالملف اللبناني، بعدما اعتاد أبناء “بلاد الأرز” إعطاء أنفسهم وبلدهم أهمية وحجماً ودوراً أكبر من المعتاد، وأقرب إلى الوهم والسذاجة منه إلى الحقيقة، لتكون خيبة الأمل هي النتيجة الوحيدة التي يحصدونها في نهاية المطاف.

من تابع وراقب مواقف القوى السّياسية اللبنانية، على اختلافها، والمحلّلين والمراقبين اللبنانيين، وهم يتابعون ويعلّقون ويدلون بدلوهم في ما يخصّ التطوّرات في الولايات المتحدة ونتائج إنتخابات الرئاسة فيها، سيُصاب بالغثيان، ويشعر بحجم التفاهة بقدراتهم السّياسية والفكرية، حتى أنّ بعضهم، سواء كان سياسياً من الدرجة الأولى، أم مواطناً بسيطاً من عامّة النّاس، كان لا يتردّد في إبداء مخاوفه على مستقبل أميركا، وكأنّ لسان حالهم يقول، كلّ على طريقته وبأسلوبه: “الله يمضي هالنّهار على خير!”، قاصداً يوم أول من أمس الذي تسلّم فيه بايدن مهامه، وكأنّ إنقلاباً سياسياً ـ عسكرياً يوشك أن يقع في تلك البلاد على طريقة أمراء الحرب في لبنان، أو الطريقة العربية أو دول العالم الثالث.

لم تكن مقاربة اللبنانيين وقراءتهم لتطوّرات ما حدث في أميركا وتأثيرها على بلدهم والعالم الأولى، ولن تكون الأخيرة التي تتسم بالخطأ في كلّ شيء، ويبدو أنّ اللبنانيين متمسكين بهكذا مقاربة على رغم التطوّرات الهائلة التي طرأت على أميركا والعالم وبلدهم، مصرّين على التقوقع وقصر النّظر، والتطلع إلى الخلف بينما العالم يتجه مسرعاً إلى الأمام.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal