هكذا إنتهت أعمال الشغب في طرابلس.. ماذا عن الثورة؟… غسان ريفي

عضّت طرابلس مجددا على جرحها، وجددت إلتزامها بالدولة التي من المفترض أن تستحي وتخجل من هذه المدينة الصابرة التي تأخذ في كل مرة الصدمات بصدرها، وتدفع الثمن عن كل لبنان، وذلك من خلال إنصافها ووضع حد لسياسة الاهمال والحرمان التي تتبعها معها.

جاء القرار، فانتهت الاحتجاجات، وتوقفت أعمال الشغب التي حاول البعض يوم أمس تجديدها برمي الحجارة باتجاه السراي لكنها لم تصمد وفشلت أمام  وحدات الجيش التي حضرت بكثافة الى المدينة ونجحت في إعادة الأمور الى نصابها وفي تمكين الطرابلسيين من النوم الذي طار من أعينهم على مدار أربع ليال.

يمكن القول إن وحدة أبناء المدينة التي تجلت أمس وتجاوزت الانتماءات السياسية والطائفية الى المصلحة الطرابلسية العليا، قد نجحت في وقف مسلسل الفتنة وفي حماية المدينة من تداعياته التي كانت بدأت تتخذ منحى عسكريا ودمويا وتخريبيا، كما ساهمت في حماية سائر المناطق اللبنانية من تمدد هذه الاحتجاجات إليها، خصوصا أنه بات معروفا أن الفقر والجوع والبطالة واليأس لم يعودوا حكرا على منطقة فحسب، بل باتوا سمة كثير من المناطق والمدن التي كانت على إستعداد للتحرك على غرار طرابلس وهي بدأت بذلك، إلا أن إخماد أعمال الشغب ساهمت في تراجع حدتها.

لا يعني ذلك أن الثورة قد أخمدت في طرابلس، بل على العكس فإن التصدي لأعمال الشغب بهذا الشكل الحازم والحاسم، ودخول قيادات ونواب وفاعليات المدينة على خط الضغط على الدولة لتتحمل مسؤولياتها تجاه العاصمة الثانية، من شأنه أن ينعش هذه الثورة وان يضمن بقاءها كونها تحتاج الى الأمن والاستقرار لكي تتابع مسيرتها وتحقق أهدافها.

كل ذلك يطرح كثيرا من الأسئلة المشروعة لجهة: لماذا تركت طرابلس لمصيرها على مدار خمسة أيام لتدفع هذا الثمن الكبير من حرق بلديتها ومحكمتها الشرعية والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة؟، لماذا لم تتخذ الدولة الاجراءات السريعة الكفيلة بوقف التدهور الحاصل؟، ولماذا لم يعقد أي إجتماع أمني في هذا الاطار، لا على صعيد المجلس الأعلى للدفاع، ولا على صعيد مجلس الأمن المركزي، ولا حتى على صعيد مجلس الأمن الفرعي؟، وماذا كان ينتظر رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال والوزراء المعنيون حتى يقوموا بخطوة من هذا النوع؟ ألم يكفيهم أن عاصمة لبنان الثانية تحترق وتهدد كل لبنان؟، أم أن في هذا البلد أبناء ست وأبناء جارية؟.

ثم بعد ذلك، لماذا لم يتجاوب المعنيون على سيل إتصالات قيادات طرابلس للتدخل السريع ووقف هذه المهزلة الاحتجاجية؟، ولماذا هذا التراخي الأمني؟، هل كان المطلوب أن تكون طرابلس كبش فداء عن الوطن ككل؟، أم أن هناك من أراد تدفيعها ثمن مواقفها السياسية وتمسكها بثورة 17 تشرين؟، وهل إنتهت أعمال الشغب، أم أن المدينة ستكون عل موعد مع جولات منها كما كانت قبل سنوات تضرب المواعيد لجولات العنف والفلتان الامني؟.

في كل الأحوال، فإن المواقف الحاسمة لقيادات المدينة والتهديد الصريح بالعمل على حمايتها في حال حصل أي تقصير جديد، والاندفاعة الكبيرة من جمعية “العزم” بتوجيهات من الرئيس نجيب ميقاتي، وجمعية “أركان” بتوجيهات من الرئيس سعد الحريري، لاعادة ترميم تأهيل ما تم تخريبه وحرقه، كما أن الوعي الكبير الذي ظهر من الثوار ومن أبناء المدينة حيال تلك الفوضى، كل ذلك من شأنه أن يحصن المدينة وأن يدفع الدولة الى أن تتحمل مسؤوليتها تجاهها، إلا إذا أراد البعض الاستمرار في عمليات الاستخدام وتوجيه الرسائل السياسية والأمنية، عندها ستكون طرابلس عن بكرة أبيها بالمرصاد.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal