جاء المنتدى الوطني لمناسبة الذكرى الـ33 لابرام إتفاق الطائف الذي دعا إليه سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري في الوقت المناسب، كونه عقد بعد أيام قليلة على إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون الذي شهد فيه هذا الاتفاق وعلى مدار ست سنوات مختلف أنواع الاعتداءات، من التحريف الى التجاوزات، الى إدخال أعراف جديدة عليه، الى الاجتهاد في نصوصه حسب المصلحة السياسية البرتقالية، الى تحويله الى وجهة نظر، ولعل ما قاله أحد نواب التيار الوطني الحر في حملته الانتخابية في العام 2018، بأننا “إستطعنا تعديل الطائف بالممارسة والأعراف عوض تعديله بالنصوص، وهذه من مميزات العهد القوي فانتخبوا مرشحي هذا العهد” أكبر دليل على أن “الطائف”، كان مهددا طيلة ست سنوات بشكل جدي وفعلي.
من المعلوم، أن ثمة إتفاقين ساهما في تغيير مسار لبنان، الأول إتفاق القاهرة عام 1969 الذي رعاه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأعطى الشرعية لوجود وعمل المقاومة الفلسطينية الفدائية في لبنان، والثاني إتفاق الطائف في العام 1989 الذي رعته المملكة العربية السعودية وأوقف الحرب وحلّ المليشيات وأعاد الانتظام الى الحياة السياسية ما أدى الى إعادة الاعمار ودخول لبنان في مرحلة طويلة من الاستقرار الأمني من دون أن يترافق ذلك مع إستقرار سياسي إلا في فترات محددة.
لا شك في أن السعودية دخلت سياسيا الى لبنان من خلال إتفاق الطائف الذي جاء بالرئيس الشهيد رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة كضمانة للتوافق السعودي ـ السوري برعاية أميركية وفرنسية آنذاك.
بعد إغتيال الرئيس الشهيد تحولت السعودية طرفا في الصراع اللبناني، الى أن تعرض الرئيس سعد الحريري لأزمته الشهيرة في المملكة، حيث أدارت بعد ذلك السعودية ظهرها للبنان بشكل شبه كامل وفرضت عزلة عليه ما لبثت أن تحولت الى قطيعة سعودية وخليجية بعد تصريحات لوزراء إعتبرتها مسيئة لها، لكن الجهود التي بُذلت لبنانيا من قبل حكومة معا للانقاذ برئاسة نجيب ميقاتي أعادت وصل ما إنقطع لكن من دون أن يصار الى إهتمام واضح بالوضع اللبناني، حيث إقتصرت الأمور على مساعدات إنسانية وإجتماعية وعلى شراكة سعودية ـ فرنسية في صندوق لدعم بعض المؤسسات غير الحكومية.
مع قرب إنتهاء عهد الرئيس عون، تحرك السفير السعودي وليد البخاري في كل الاتجاهات سواء عبر لقاءات في السفارة أو في دارته أو في زيارات لقيادات وشخصيات سياسية وحزبية مختلفة الانتماءات، وقد توّج تحركاته بالدعوة الى المنتدى الوطني لمناسبة مرور الذكرى الـ33 على إبرام إتفاق الطائف، والذي أوحى بعودة سعودية الى الحياة السياسية اللبنانية من خلال حماية هذا الاتفاق الذي ترفض المملكة المسّ به، حيث أعلن السفير البخاري في كلمته أن “هناك إتفاقا مع الفرنسيين على عدم المسّ بالطائف”، في حين تشير المعلومات الى تفاهم سعودي أميركي وفرنسي على دعم إستكماله وتطبيق بنوده، ما يؤكد بما لا يقبل الشك، أن رئيس الجمهورية المقبل من المفترض أن يأخذ على عاتقه حماية هذا الاتفاق وترجمته، وربما يكون دعم الرئيس الجديد إقليميا ودوليا مرتبط بتنفيذ هذه المهمة.
بدا واضحا أن المؤتمر الوطني جمع كل القوى السياسية والطائفية في لبنان باستثناء حزب الله الذي ربما غاب بالحضور لكنه شارك نهجا من خلال كل حلفائه، علما بأن الحزب لم يكن يوما ضد إتفاق الطائف بل لطالما دعا الى الحفاظ عليه، في حين يشكل الرئيس نبيه بري ضمانة له، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية داعما لتطبيق كامل بنوده.
وكان لافتا حضور التيار الوطني الحر الذي حاول في خلال العهد العوني زعزعة هذا الاتفاق وضرب الدستور مرات عدة، وكان آخرها الالتباس الذي تسبب به حيال تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية الى أن إنقلبت رسالة الرئيس ميشال ميشال عون الى مجلس النواب عليه وعلى صهره جبران باسيل، بحرص المجلس على تطبيق الدستور بالزام حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي بادارة البلد في مرحلة الشغور الرئاسي، ما يؤكد أن حضور ممثلي التيار كان عبارة عن “تبييض وجه” خصوصا أنهم يتعاطون مع الطائف بازدواجية المعايير حيث يتحدثون أمام جمهورهم وفي مجلس النواب شيء، وأمام السفير السعودي شيء آخر.
وشكلت مشاركة الرئيس نجيب ميقاتي حضورا سنيا وازنا خصوصا أنه حارس الطائف الذي شكل وما يزال خط الدفاع الأول عنه، وهو سبق ودفع أثمانا جراء ذلك، حيث بات الحاضنة السنية التي تحتاجها الطائفة اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل التشرذم الذي أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة معطوفة على غياب رؤساء حكومات.
في غضون ذلك، شكل حضور وليد جنبلاط والقوات اللبنانية والنواب السياديين والمستقلين والشخصيات اللبنانية الأخرى تأكيدا للمؤكد خصوصا أن هذه القوى ما تزال على موقفها المعلن في التمسك بالطائف ورفض المساس به.
لا يختلف إثنان اليوم على أن لبنان لا يحتمل في ظل الظروف البالغة الدقة والصعوبة أي تبديل أو تغيير في عقده الاجتماعي، خصوصا أنه بعد 33 عاما لم يعرف أحدا خير الطائف من شره كونه لم يطبق، وبما أن أركان الاتفاق الذين حضروا وحاضروا أكدوا بأنه ليس قرآنا منزلا ولا إنجيلا مقدسا، فهذا يعني أن الأولوية هي لتطبيقه ومن ثم التفتيش عن الثغرات لمعالجتها، علما بأن البديل عن الطائف مهما كان، لن يكون في مصلحة المسيحيين الذين خاطبهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ذات مرة بأننا “أوقفنا العد”..
Related Posts