عاد ملفّ ترسيم الحدود البحرية جنوباً الى الواجهة، بعد توافر معلومات عن إمكانية قيام الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين بزيارة الى كل من لبنان وكيان الاحتلال خلال الأيام المقبلة.
وتزامناً مع الزيارة المرتقبة، تعمل وسائل الاعلام التابعة للعدو على إشاعة أجواء إيجابية في محيطها حول ان الاميركيين يريدون انهاء الملف بأسرع وقت ممكن وعليه فإن التوصل الى اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود وبدء التنقيب عن النفط بات قريباً.
غير ان المعطيات على ارض الواقع تخالف تطلعات العدو الإسرائيلي. فالاميركيون منشغلون في الوقت الراهن بالملفات الإقليمية من الحرب الروسية – الأوكرانية، مروراً بملف العلاقات مع الصين وصولاً الى محادثات فيينا مع الإيرانيين.
اللامبالاة الأميركية غير المستغربة، يقابلها استلشاق لبناني غير مسبوق بالتعاطي مع الملف. فقد اكتفى المسؤولون برفض اقتراح هوكشتاين الأخير وعلى الطريقة اللبنانية “نيّموا الملف بالجارور” وكأن رفضهم هذا سيردع الجانب الإسرائيلي عن البدء بالتنقيب في حقل كاريش.
يضاف الى ذلك، مغالطات ثلاث وقع بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في معرض كلامه منذ يومين، أولها، يتمثل في اننا نريد نفطاً وغازاً لا ماء اذ يعتبر ان مساحة الـ 300 كلم مربع والمنطلقة من الخط 23 داخل البلوك رقم 8 تحتوي فقط على الماء. وثانيها، باعتباره انه في حال طالب لبنان بالخط 29 من يضمن ان لا يطالب الإسرائيلي بخط حدود قد يمتد لبيروت. وثالثها بخلاصة تفيد بأن الجيش اللبناني هو من رسم الخط 23 في العام 2011.
كلام باسيل هذا يفتح الباب امام تساؤلات عدة ابرزها حول جزمه ان لا نفط او غاز في المساحة التي تحدث عنها علماً ان لبنان لم يقم بأية مسوحات ليعرف ماذا يوجد في المياه ومن قام بهذه المسوحات هو فقط العدو الإسرائيلي. هذا من جهة.
من جهة أخرى قد يكون الوزير باسيل نسي او تناسى ان مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني قد أنشئت في العام 2014، أي بعد 3 سنوات على الترسيم الأول وبالتالي لا يمكن اعتبار الجيش مسؤولاً عن اعتبار الخط 23 خطاً حدودياً. لا سيما وان لجنة برئاسة مدير عام النقل البري والبحري وتتضمن ممثلين عن مختلف الوزارات كأعضاء، هي من اقرت الخط 23 كخط حدودي في العام 2011. اما قيادة الجيش، فبعد تدريبها لخبراء المساحة واستعانتها بخبراء قانونيين دوليين وقيامها بالمسوحات اللازمة اعتباراً من رأس الناقورة قدمت دراسة لمجلس الوزراء في العام 2019 مع التعديلات اللازمة والتي شملها المرسوم 6433.
هي قواعد صلبة للتفاوض ارساها الوفد اللبناني المفاوض تنطلق من حق لبنان في حدوده البحرية جنوباً من رأس الناقورة أي الخط 29، والمطالبة بتعديل المرسوم 6433 وايداعه الأمم المتحدة من اجل ضمان هذا الحق. وفيما لا يجب ان يغفل احد عن ان اقتراح هوكشتاين الأخير ليس مقنّعاً فحسب بل فيه تجاوز للدستور لا سيما لجهة تكريس حق لبنان بحدوده البحرية والبرية إضافة الى حقه في النفط الموجود في البلوك رقم 8 والذي سيخسر لبنان جزءً كبيراً منه في حال نفّذ هوكشتاين مبتغاه.
امّا السبب الأهم والذي يجدر تسليط الضوء عليه في كل مرة هو ان اقتراح الوسيط الأميركي، سيؤدي الى اضطرار لبنان ان يتقاسم حقل قانا مع العدو الإسرائيلي الامر الذي ستكون نتيجته “تطبيع اقتصادي”، يفترض ان يرفضه الحكام كون لبنان في حالة عداء دائم مع إسرائيل.
اذاً، فيما عين العدو الإسرائيلي على حقوق لبنان، يمعن بعض سياسييه في إضاعة الوقت والكلام الشعبوي لاجل غايات انتخابية مؤقتة. فهل يتعظ من يحجم عن توقيع المرسوم 6433 من التجارب السابقة ويتذكر ان “الأشخاص زائلون اما لبنان فباقٍ”؟ ام ان اللبنانيين سيُسلبون حقوقهم في النفط والغاز كما حُرموا من حقوقهم الأخرى؟!..
Related Posts