هدنة السبعة أيام في قطاع غزة وتوحيد الساحات!.. شفيق ملك

صورة عن ألف كلمة. سيدة إسرائيلية تفاجئ العالم بقبلة تطبعها على جبين مقاتل من حماس لدى الإفراج عنها ومغادرتها غزة. أثبتت حماس عن قدرتها خلال الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة لتقديم إلى العالم صورة حية ترقى الى المستوى الإنساني الرفيع.  

هكذا انطلق موكب تبادل الأسرى والرهائن ما بين الكيان الإسرائيلي وحماس برعاية دولية تقودها كل من قطر والولايات المتحدة الأمريكية ومصر.

حتى تاريخه نجحت المرحلة الأولى في تمديد مهل وقف إطلاق النار بدبلوماسية ولو لفترة سبعة أيام.

حتى إذا توصلت كل من قطر ومصر بضغط منهما لإنجاح هدنة إنسانية أطول وصولا، لوقف إطلاق النار في القطاع. تبلورت الصورة أكثر وضوحا لدى وصول مدير المخابرات الأميركية (CIA) إلى المنطقة طالبا بتسريع الإفراج عن الرهائن. ما يؤكد أهمية مسار هذا المنحى تغيير مفاجئ في سياسة فرنسا، أعلنها مندوبها في مجلس الأمم المتحدة وصولا إلى تبني وقف إطلاق النار.

هذا التحول السياسي الأوروبي للتوصل لحل شامل للنزاع القائم في قطاع غزة، على أساس أن الاعتداء الإسرائيلي يجب أن يتوقف وأن الصمت الدولي يجب أن ينتهي.

هل ينجح هذا المسار، أم يتعثر في طريقه أثر تصريح بيني غانتس الذي قال “سنستأنف إطلاق النار بعد نهاية الهدنة ومجلس الحرب موحد وليس أمامنا خيار آخر”؟ فالعودة إذا إلى ساحة القتال من جديد فوق الدمار الذي ابتلع شمال مدينة غزة ومهددا الشريان الحيوي للمدينة بتوقف قوافل المساعدات التي تدخل القطاع. علماً أن كمية المساعدات المتدفقة أقل بكثير من أن تكفي مليون وسبعمائة ألف مواطن في غزة تشردوا بفعل النزاع.

بالمطلق العدو الإسرائيلي لم يتوقف للحظة واحدة، بل استمر في القتال.

أمام هذا المشهد المروع في كل من الضفة والقطاع الذي يمارس على الفلسطينيين من قبل المحتل الإسرائيلي، ما هو إلا صورة من صور حرب الإبادة الجماعية إذ كل خمس دقائق يُقتل طفل فلسطيني على أيدي إسرائيل، ناهيك عن التهجير القسري من او خارج القطاع.

لا ننسى أن معركة غزة هي معركة وجود لحماس والقضية الفلسطينية.

سياقاً، يقف المواطن العربي حائرا متسائلا، خصوصا المواطن الفلسطيني في مدينة غزة، عند أصوات الناجين من تحت الركام نتيجة القصف الجوي المستمر لإسرائيل بعد انهيار الهدنة مستهدفا المجمعات السكنية في منطقة جباليا.

اين هي كل الشعارات التي تنادي “شهداء على طريق القدس الشريف” واين هي دول الطوق العربي؟ أسئلة كثيرة تطرح، لكن لا إجابة عليها سوى القول “حسبي الله ونعم الوكيل والله المستعان”.

في السياق نفسه، وحدة الساحات أو تكاملها، بدءاً من جبهة اليمن بموقعها الجغرافي المميز المطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب حيث تلعب المضايق البحرية دورا بارزا بما لها من أهمية إستراتيجية واقتصادية وقت السلم والحرب.

ويعتبر مضيق باب المندب من أهم مضايق المائية على مستوى العالم ما أدّى الى انتشار الاسطول الأمريكي الخامس عبر مضيق باب المندب ليتوسط مركز الصراع القائم في الشرق الأوسط.

إن تجمع تلك الأساطيل وانتشارها في البحر الأحمر لضبط إيقاع ملاحة الأمن البحري في المنطقة، بما فيها قمع أعمال القرصنة البحرية للسفن التجارية العابرة وحمايتها. بالمقابل جاء تهديد الحرس الثوري الإيراني للأسطول الأمريكي لدى عبوره مياه الخليج العربي ليزيد المنطقة توترا.

في ظل كل هذه التطورات في المنطقة والإقليم، فتح الحوثي، الذراع الرئيسي لإيران، جبهة إسرائيل بإرسال صواريخه بعيدة المدى التي تفصلها عن اليمن مسافة ألفي كيلومتر أي بمسافة تزيد عن الرحلة التي تقطعها الطائرة من مطار بيروت إلى مطار الدمام.

إن الصواريخ بعيدة المدى ومسيَّراتها التي أطلقت من اليمن إمَّا تعترضها منظومة الدفاع الأمريكي أو تقع في أرض سيناء المصرية أو جنوبي الأردن.

من المؤكد من مصادر عسكرية أن الصواريخ الحوثية لم تصل ميناء إيلات الإسرائيلية ولن تحدث فرقاً في الصراع القائم في غزة ويبقى هذا التهديد شعاراً أطلقه الحوثي:” البحر الأحمر لن يكون ممرا آمنا للسفن الإسرائيلية” ليستمر مصدرا مقلقاً للسفن الإسرائيلية والأمريكية لكن السيطرة عليه قائمة عند حدوثه.

من المفارقة بمكان، لِما التوجه بعيداً إلى مرفأ إيلات وفي اريتريا التي تفصلها عن ميناء الحُديدة مسافة 240 كم تقع هناك قواعد عسكرية إسرائيلية وأخرى مقابلة لها إيرانية.

أما عن جبهة العراق، فإن هناك تفاهما قائما ما بين رئيس الوزراء العراقي السيد السوداني ووزير خارجية أمريكا السيد بلينكن على حماية المصالح الأمريكية وضمان استقرار المنطقة. رغماً عن ذلك، قيام الحشد الشعبي العراقي، أحد أذرع إيران في المنطقة، بقيامه بضربات متقطعة مستهدفاً قاعدة التَنَف الأميركية قاعدة للتحالف الدولي واستهدافه أيضا القاعدة الأمريكية في مطار أربيل في العراق بطائرات مسيَّرة. جميع هذه الضربات العسكرية تعمل ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها وهي في الواقع ليس لها أي تأثير فعلي سوى إشغال مساند لجبهة غزة.

أما عن الجبهة السورية، فهي متوقفة كلياً وعلى عكس المطلوب يوجد خروقات متكررة ومتقطعة تشنها إسرائيل على أهداف عسكرية تابعة لميليشيات إيرانية وحزب الله اللبناني المتواجدين في سوريا. آخر هذه الضربات الجوية منذ أيام هي إخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة.

حريٌّ بالقول، أن فتح الجبهات الثلاث، اليمن والعراق وسوريا في مؤازرة الحرب القائمة في القطاع ليس لها أي تأثير في المعنى العسكري أو القتالي، إنما هي فعلا مناوشات وإشغال هنا وهناك وإسناد سياسي لرسائل مشفرة، ما بين إيران وأميركا من خلال وكلائها في المنطقة كما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني: “توسع نطاق الحرب صار حتمياً”. هذا الشعار وسواه أُسقِط وأُسقِطت معه جميع الأقنعة خصوصا، وحدة الساحات.

إيران بحنكتها المعروفة وتمرُّسها بسياسة العقل، لا للاستسلام للعاطفة، قد برَّأت نفسها من دور حماس بعدم معرفتها “توقيت الانطلاق في عملية طوفان الأقصى” أمام مرأى دول العالم.  يبقى الملف النووي الإيراني بعيدا عن كل استهداف، وتبقى أولويات طهران الهيمنة على المنطقة العربية وإبقائها ورقة تفاوض دائمة لحماية اقتصادها المتأزم. كل هذا للإفراج عن المليارات المجمّدة لدى بنوك امريكا التي تقدر قيمتها 120 مليار دولاراً أمريكياً، إدراكاً منها أن حرب غزة قد تطول ومكلفة في نفس الوقت ذلك لأن أهدافها لم تحقق بعد، علماً أن المستفيد الأول بانشغال جميع الدول عن ساحة حرب روسيا وأوكرانيا هو إيران ومن ثم روسيا.

في الواقع، إسرائيل هي من يعطل صفقة تبادل الأسرى وانهيار الهدنة المؤقتة، بحجة ضربها لحماس ومن ثم تحسين موقعها السياسي المأزوم في الداخل الإسرائيلي وإنقاذ ما تبقى من حكومة نتنياهو، بما أصابها من أضرار كبيرة إزاء أحداث 7 أكتوبر.

وتبقى ساحة الجنوب اللبناني المميزة بشكلها ومضمونها وقواعد الاشتباك فيها مرتكزة أحداثها ما بين حزب الله ونتانياهو حيث صرح الأخير: ” إذا أخطأ حزب الله في دخوله الحرب فإنه سيدمر لبنان بيديه”. علماً أنه انضم حديثاً الى ساحة المعركة بعض الفصائل الفلسطينية وغيرها بحجة المساندة والمشاركة الرمزية حبا لأهل غزة ولوقت محدود دون أحياء اتفاق القاهرة 1969.

وما يجري في لبنان هو حقا حرب قائمة نتائجها تنبئ بواقعيتها. ضحايا وشهداء سقطوا عددهم قارب المئة من مدنيين ومقاتلين وعسكريين وصحفيين، منازل هُدِمت ومنازل هُجِّر سكانها تجاوزوا الـ 40ألف مواطن لبناني، حقول اشجار الزيتون بمحاصيلها أحرقت، مدارس أغلقت، مناطق بكاملها دمرت بالقصف العشوائي للعدو الإسرائيلي المحتل.

هي حرب قائمة بشتى صورها لكن محددة المعالم جغرافيا وهي قابلة للتطور بالسياق الطبيعي. الخطأ وارد في أي لحظة قد يسبب حربا شاملة ويمكن توصيفها باشتباك عسكري قياساً لخسائرها وهي أقل درجة من حرب حقيقية بالمعنى العسكري المتعارف عليه. ما يدور حالياً في الجنوب اللبناني لا يمكننا فصله بالسياسة عن الواقع الأليم الذي يعيشه لبنان منذ فترة طويلة، فالشعب اللبناني بكامله صامد بجميع طوائفه وفئاته السياسية، قوة متماسكة أمام الاعتداء الإسرائيلي من جنوبه لشماله وشرقه لغربه دون استثناء.

وتجيء الوصاية الفرنسية وما أبلغه بحزم، مندوب الرئاسة الفرنسية السيد لودريان وممثلا عن اللجنة الخماسية، برسائل مباشرة للمنظومة السياسية في لبنان، وشاركته بالمضمون نفسه وزيرة خارجية فرنسا السيدة كاترين كولونا في إطار جولتها إلى المنطقة ولبنان غارق بالصعوبات السياسية، الاقتصادية والمؤسساتية. التنبيه على جميع المسؤولين في الحكومة والمجلس النيابي وجميع الأحزاب السياسية اللبنانية بما فيهم حزب الله تحمُّل المسؤولية وتلافي الحسابات الخاطئة والعمل على إبقاء الجنوب اللبناني خارج التشنجات وخارج فتيل حرب غزة.

ويبقى الملاذ الأخير القرار الأممي رقم 1701 المظلة الوحيدة والحامي الفعلي في عدم الانخراط في حرب غزة، بالرغم عن تجاوزه مرارا منذ إصداره من قبل الأطراف المتنازعة.

في حين قطاع غزة بأكمله يشتعل نارا وأكثر من نصف مدينة غزة قد هُدِّمت مبانيها وأصبحت ركاما، آلاف الشهداء والجرحى والمشردون دون مأوى، سُبِيَت ونُهِبت مستشفياتها وهُدِمت مساجدها، كنائسها ومدارسها. كثيرون من الدول والأحزاب السياسية يصرحون بانضمامهم لحرب غزة، في حال إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء في ساحات الحرب في القطاع.

وغزة تحترق منذ 60 يوما في شمالها وجنوبها وفي الوسط، واحترقت معها جميع الخطوط الحمراء، بل اختفت وتلاشى معها فكرة الاشتباك الحقيقي.

وتبقى دماء الشهداء في غزة منارة تضيء بها طريقها لملحمة تدخل منصة التاريخ.

حمى الله أهل فلسطين ونصرهم على العدو الإسرائيلي المحتل.

الكاتب: المهندس شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal