قمة الرياض وانعكاساتها على الشارع العربي!.. شفيق ملك

استضافت مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية القمة العربية الإسلامية غير العادية يوم السبت في الحادي عشر من نوفمبر 2023، ذلك لمناقشة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة بعد مرور أكثر من شهر على بدء القتال غير المسبوق، حيث بدأ هذا الصراع نتيجة عملية “طوفان الأقصى” المدوية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية بهجومها المباغت على كامل الحزام الأمني للمستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة جنوباً.

بحكمة جاءت من المملكة العربية السعودية الذي يقود مسيرتها ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، انعقدت قمة متميزة اختلفت عن سائر القمم الأخرى حيث جمعت ما بين القمة العربية والقمة الإسلامية في آن واحد بمضمون ومكان وزمان موحدين. تطلب هذا الأمر من المملكة جهدا كبيرا من وزير خارجيتها، سمو الأمير فيصل بن فرحان، وكافة أعضاء دول الجامعة العربية الـ 22 عضوا وكتلة مجموعة الدول الإسلامية الـ 35 على تضارب واختلاف مشاربها السياسية. استطاع بن سلمان، بكل دبلوماسية أن يجمع دولاً مثل تركيا، إيران، مصر، الإمارات، سوريا وقطر. هكذا انطلق مؤتمر مدينة الرياض جامعاً 57 مشاركاً عربيا وإسلاميا أي ما يقارب ثلث أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.

دان البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر اللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال.

رفض البيان توصيف هذه الحرب الانتقامية بالدفاع عن النفس، أو تبريرها تحت أي ذريعة داعيا جميع الدول وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل مع وقف تسليح الاحتلال للمستوطنين الإسرائيليين. أول تحفظ خرج مباشرة عن مؤتمر القمة، جاء من إيران تحديدا بخصوص حل الدولتين وحدود 1967 وخطة السلام، رغم تأكيدها على أن ما جاء في البيان الختامي وأقرّته قمة الرياض هو متكامل مع قوة نصه.

فهل حققت القمة العربية الإسلامية المشتركة حول غزة تطلعات المواطن العربي؟ في هذا السياق لم يرَ المواطن العربي أي خطوة جريئة أنجزت بالسياسة تجاه العدو الإسرائيلي كتجميد للعلاقات الدبلوماسية بين الدول المعنية والكيان الصهيوني، أقلَّه سحب سفراء إسرائيل المعتمدين في بلدانهم، بينما شهدت القضية الفلسطينية تعاطفاً من دول مثل بوليفيا، جنوب أفريقيا، إسكتلندا، إيرلندا وغيرها من الدول الغربية.

جدير بالذكر أن سحب سفراء إسرائيل قد حذف من نص البيان الختامي لعدم توافق أغلبية الدول المشاركة على هذا الاقتراح. وذلك لحرص الأمانة العامة للمؤتمر أن يكون البيان الختامي صادراً بموافقة جميع الأعضاء. حريٌّ بالقول إن هناك 157 دولة في مجلس الأمم المتحدة تقيم علاقات دبلوماسية بينها وبين حكومة إسرائيل من ضمنها ثمان دول عربية كمصر عام 1973، الأردن عام 1994 قطر عام 1996، سلطنة عمان عام 2018، السودان، المغرب، الإمارات والبحرين عام 2020. كان مطلوبا من هذه الدول العربية الثمان، إشباع رغبة وجدان الشارع العربي، بتجميد علاقاتها الدبلوماسية أو اتفاقاتها التجارية والسياحية ولو ظرفياً.

ما تم التوصل إليه في مؤتمر الرياض أهمه ايقاف مسيرة التطبيع مع حكومة إسرائيل من قبل الدول العربية وتحديدا المملكة العربية السعودية. توقَّع المجتمع الدولي، والشارع العربي خاصة، توقف إطلاق النار في قطاع غزة مباشرة عقب انتهاء المؤتمر، هدية مجانية من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لكن عجز هذا الأخير عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مرارا وتكرارا بسبب حق النقض الفيتو الأمريكي.

التعنت الأمريكي والإسرائيلي بتمسكه بإطلاق الرهائن الموجودة في القطاع قبل أي مبادرة أخرى بما فيها فتح المعابر أو وقف لإطلاق النار، ساهم في تجميد كل المباحثات، حيث احتضنت أمريكا إسرائيل وحمتها في مجلس الأمن واعتبرتها حرب بايدن – نتنياهو.

رغبة أخرى جامحة أن يشهد الشارع العربي استعمال سلاح النفط كوسيلة ضغط على الدول الغربية التي وقفت إلى جانب إسرائيل في حربها ضد غزة. إن استعمال هذا السلاح في ظل الظروف الراهنة خصوصا مع تجمع أساطيل الدول الكبرى في البحر الأحمر والبحر المتوسط بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفي ظل ما يجري في غزة، هو سلاح ذو حدين وليس توقيته ملائما أو فعَّالا. قد تنزلق الأمور في منطقة الشرق الأوسط وتنفجر في أي لحظة. أما عن فرضية فتح جميع جبهات دول الطوق العربية فقد تؤدي الى حرب شاملة لا نعرف مداها ولا نتائجها الجيوسياسية والجغرافية.

على عكس ما قرأه بعض المحللين السياسيين في العالم العربي والغربي، ان ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الرياض لا يرتقي إلى طموح وجدان الشارع العربي فلم يكن بلسماً يضمّد به جراح أهل غزة المقاتلة الأبية والمقاومة للاستسلام. بينما زعم آخرون أن البيان الختامي ما هو إلا صفحات كتبت على عجالة لتسجل مواقف بعض الدول الأعضاء المشاركة في المؤتمر وأنه ليس قابلاً للتطبيق. هذا التوصيف السياسي للبيان ليس منصفا لما أنجزته تلك الدول الـ 57 العربية والإسلامية وما بذل حقا من جهد لتقريب وجهات النظر المتضاربة بين معظم الأعضاء المشاركين في القمة. جاء هذا المؤتمر متأخرا بعض الشيء على ضوء ما يجري من حرب مستعرة في القطاع، تمارس بروح وحشية على الشعب الفلسطيني. للإجابة على هذه المقولة يجب إعادة النظر في نص البنود الـ 31 من البيان، علماً أن جميع الدول المشاركة في المؤتمر انطلقت على أساس منهجية مؤتمر بيروت للسلام عام 2002 التي دعا إليها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، أي التمسك بالسلام وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الصراع العربي القائم وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وخصوصاً قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967، كذلك التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ودعوة إلى توحيد الفصائل.

هالني مشهد المسيرة الكبيرة في شوارع لندن، كبرى العواصم الأوروبية، التي نددت  بالحصار الهمجي والحرب المسعورة القائمة من قبل العدو الإسرائيلي على قطاع غزة. أحرج ذلك حكومة بريطانيا التي كانت قد منعت كل اشكال التظاهر ضد وحشية الكيان الصهيوني. هذه المظاهرة ومثيلاتها التي حدثت في دول أوروبية وغربية وآسيوية وصولا الى أمريكا، كندا، أستراليا وأفريقيا ما هي إلا مؤشر جديد عن تغيير المزاج الشعبي الدولي الذي أثَّر إيجابا على سياسات الحكومات المعنية حيث طالبت بفك الحصار غير الإنساني عن غزة والتفاوض لحل النزاع.

ختاماً الدبلوماسية السياسية التي اعتمدتها المملكة العربية السعودية في مؤتمر الرياض أعطت ثمارها ولو بعد حين، مثال على ذلك المقاربة الجديدة للسيد جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، الذي رفض تهجير الفلسطينيين أو إعادة احتلال القوات الإسرائيلية لغزة. كذلك نشهد تراجعا في مواقف عاصمة القرار واشنطن لصالح الفلسطينيين، بدا ذلك واضحاً في تصريح السيد بلينكن وزير خارجية أميركا عقب اجتماع وزراء خارجية الدول السبع في طوكيو والذي اكَّد فيه أن “إسرائيل لا تستطيع إدارة غزة”، كما قال “واشنطن تأمل نهاية الحرب في أسرع وقت وتدعم حل الدولتين “.

هذا التبديل السياسي المنهجي هو أيضاً ثمرة كفاح الشعب الفلسطيني المقاوم في قطاع غزة أولا والبطولات التي شاهدناها في المرحلة السابقة من تضحيات جمة قدمها الشعب الفلسطيني على مذبح الحرية من أجل الوصول الى وقف شامل للنار وإجلاء آخر جندي إسرائيلي.

حمى الله أهل غزة ونصر الله المقاتلين في القطاع وكل شبر من فلسطين المغتصبة في الضفة الغربية والقدس الشريف ضد العدو الغاشم إسرائيل.

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal