لعبة الدبلوماسية الدولية ودولة إسرائيل!.. شفيق ملك

انطلاقا من القرار الأممي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم27 أكتوبر المنصرم عام 2023 بعد فشل مجلس الأمن الدولي أربع مرات في اتخاذ أي قرار بشأن الصراع القائم بين إسرائيل وغزة.

جاء التصويت بأغلبية 120 عضوا ،14 عضوا صوت ضد القرار، و45 عضوا تمنعوا عن التصويت. تم التصويت على القرار بدعوة قوية ومستدامة إلى هدنة إنسانية تقضي إلى وقف الأعمال العدائية وتوفير كل ما يلزم من المستلزمات الإنسانية إلى جميع المدنيين من سكان قطاع غزة وبدون عوائق.

بالرغم من أن القرار ليس ملزما فإنه قد أكتسب أهمية سياسية وعكس التوجهات العالمية في وقت كثَّفت فيه إسرائيل عملياتها البرية في غزة. اُنْتِقُدَ القرار بشدة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، إنما لقي ترحيبا كبيرا وتصفيقا من دول عديدة من بينها فرنسا وبلجيكا وإيران.

طَرْح هذا القرار كان من قبل المجموعة العربية في حين امتنعت عن التصويت كل من العراق وتونس عربياً، لأسباب سياسية واهية فجاء موقفهما من خارج السرب العربي في أحلك الأوضاع المصيرية.

ناهيك عن الدول التي صوتت ضده كانت عبارة عن مجموعة دول تقودها الولايات المتحدة طوعاً، وهي دول لا تملك أي سيطرة على قراراتها السياسية في المجتمع الدولي.

أقرب الطروحات كان المشروع البرازيلي الذي جرى التصويت عليه في مجلس الأمن في 18 من شهر أكتوبر ولم يعتمد بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضده (Veto). فيما أيده 12 عضوا، وامتنع عضوان عن التصويت وهما روسيا والمملكة المتحدة.

سياقاً، وبعيدا عن الصراع السياسي الدولي والأممي بين الأعضاء في داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بأعضائه الخمسة الدائمين والعشرة أعضاء المنتخبين دوريا.

يمكننا الجزم هنا بإشادة أداء الأمين العام من خلال مواقفه المشرِّفة والمعبِّرة إنسانيا ًلحظة وقوفه عند معبر رفح بعزِّ وشرف منادياً بفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية الغذائية، والطبية للقطاع واضعا جانبا كل دول الغرب والعدو الإسرائيلي ومطالبهم، بغلق المعبر وخنق الشعب الفلسطيني في سجنه الكبير لشعب تعداد سكانه مليونَي وثلاثمائة ألف نسمة.

كلمة الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش جاءت في جوهرها بأن هجوم “طوفان الأقصى” على غلاف غزة للمستوطنات الإسرائيلية، لم يحدث من فراغ إنما جاء بعد قهر دام 56عاما وعلى جميع الفلسطينيين المقيمين في القطاع والضفة الغربية والقدس الشرقية.

ما حدث في 7 أكتوبر لا يبرّر القتل الجماعي الذي تشهده مدينة غزة. ولا يمكننا أن نغفل عن أساس الواقع للسلام والاستقرار وهو الحل القائم على وجود دولتين.

كلمة الأمين العام أغضبت دول الغرب، بعض الدول الأوروبية وبالطبع العدو الإسرائيلي. تلك الكلمة بمعناها السياسي الحر والمتوازن ما بين دولة مؤيدة ومعارضة، هدفها الرئيسي نيل الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية وتطبيق جميع القرارات الأممية والدولية ذات الصلة لإحقاق العدل المنشود حتى يقفل ملف نكبة فلسطين الأسود.

ما حدث للأمين العام السيد غوتيريش من ردَّات فعل مشينة وشجب لكلمته المحقَّة أثناء عقد الجلسة العمومية، ذلك من خلال كلمات لمندوبي دول الغرب ودول أخرى على رأسها إسرائيل، أمرٌ يرفضه المنطق ومبادئ أسس العدل والمساواة التي أنشأ من أجلها منظمة الأمم المتحدة وإلّا دخلنا إلى نفق مظلم، بما يسمى لعبة الأمم للدبلوماسية السياسية المتقلبة تديرها المصالح الخاصة للدول الكبرى. علما أن منظمة الأمم المتحدة حين انشئت كان أساسها، لا لقيادة الدول إلى الجنة، بل لإنقاذ العالم من الجحيم.

ذاك المشهد يعيدنا إلى ساحة أرض فلسطين أولى أيام الهجرة اليهودية وأيام النكبة عام 1948، حين سعى الوسيط الدولي للأمم المتحدة آنذاك الكونت فولك برنادوت، عندما اختارته منظمة الأمم المتحدة بعد الانتداب البريطاني على فلسطين أن يكون وسيطا بين اليهود والعرب. استطاع الكونت برنادوت بحكمته تحقيق الهدنة الأولى في فلسطين في 11 من شهر يونيو 1948، بعدها مباشرة أثار الكونت برنادوت مشاعر جماهير وزعماء حملات الهجرة اليهودية من مختلف دول العالم لدى اقتراحه الشهير، أي وضع حد للهجرة اليهودية ووضع مدينة القدس تحت السيادة الفلسطينية. أدى ذاك الأمر إلى تكاتف كل المنظمات الإرهابية بما فيها عصابات “الهاغاناه” بجميع أركانها، بمن فيهم مناحيم بيغن وإسحاق شامير إلى التآمر والوصول إلى اغتيال الكونت برنادوت في السابع عشر من أيلول 1948 في مدينة القدس.

هكذا هي دولة صهيون منذ فجر التاريخ تأخذ دائما دور الضحية بيد وتقوم باليد الأخرى بقتل وسلب واغتصاب الأرض العربية فلسطين.

بالإضاءة على مراحل تكوين إسرائيل منذ قيامها، نرى تعاقب ثلاثة رؤساء حكومات إسرائيلية أشرفوا على تنفيذ مجازر بشرية وُصِمَتْ بالعار للإنسانية عبر التاريخ المعاصر. أولها مجزرة دير ياسين في 9-4-1948. قاد في تنفيذها إسحاق شامير زعيم عصابة “شتيرن” شاركه فيها مناحيم بيغين زعيم عصابة “الإرجون” والذي أصبح لاحقاً شريكا في كامب ديفيد، كما وأنه نال ويا للغرابة جائزة نوبل للسلام.

نتنياهو هو ثالث رئيس حكومة إسرائيلي ينفذ اليوم أبشع مجزرة العصر الحديث في إبادة جماعية لشعب فلسطين في قطاع غزة. بالمقابل مندوب إسرائيل الدبلوماسي في منظمة الأمم المتحدة أعلن بصراحة أن جميع قرارات الأمم المتحدة ليست لها قيمة، تلك هي دولة حكام صهيون.

حريٌّ بالقول إن في داخل مقر الجمعية العمومية، دول صديقة وقفت بصدق إلى جانب القضية الفلسطينية منها الصين وروسيا إلى جانب دول آسيوية ولاتينية مع دول أخرى. رئيس وزراء إسكتلندا الذي أدان بشدة مجزرة جباليا في القطاع ودعا إلى وقف الحرب. بوليفيا باشرت بقطع علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل باتهامها، أي إسرائيل، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. خروج الشعوب وأحرار العالم في المظاهرات والاستنكار في شوارع المدن الكبرى منادية بصرخة عالية واحدة بوقف الحرب على غزة وتحرير فلسطين (Ceasefire, Free Palestine).

في ظل ما يجري في قطاع غزة من قتال مستعرّ نرى الدعم العسكري الأميركي المباشر لإسرائيل غير المسبوق، إلى دعوة بلينكن وزير خارجيتها في حل الدولتين وهو الحل الوحيد.

في المقابل مناشدة مندوب فلسطين في الجمعية العمومية السيد رياض منصور أنه لا يمكن تبرير قتل الفلسطينيين في القطاع ومنح القاتل وقتا إضافيا مع تكرار نداء حل الدولتين ولا خطوة مباشرة في ذلك المنحى، أقله اظهار حسن النوايا على تنفيذ هذا الأمر متوجها بذلك إلى جميع مندوبي الدول في الجمعية العامة.

جوهر القول يعود إلى الأمين العام السيد غوتيريش اعتماده والتزامه بميثاق الأمم المتحدة لتعبئة الدول وبدء العمل السياسي في الحل المستدام. فيما نحن ما زلنا نشاهد التصعيد للحرب على غزة أو بانتظار ما ينتج عن الجولات السياسية التي يقوم بها وزراء الخارجية للدول الكبرى والدول المعنية في المنطقة والإقليم. حتى الذهاب إلى القمة المرتقبة في 11 الجاري في مدينة الرياض، وما يحدث حاليا على أرض غزة وتأثيره على مقررات تلك القمة ونتائجها.

ندعو الله الثبات إلى شعب فلسطين.

حمى الله ورعى مقاتلي غزة ضد الغزاة.

الكاتب: المهندس شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal