المندوب الفرنسي ودورة أيلول!… شفيق ملك

وزير الخارجية الفرنسية السابق السيد لودريان، المبعوث الرسمي لرئيس جمهورية فرنسا السيد ايمانويل ماكرون، لم يألُ جهدا في فتح ثغرة صغيرة في ملف لبنان الرئاسي، في ظل انسداد جميع محاولاته حيث لم تصل إلى أي نتيجة ملموسة حتى الآن.
هذا الفشل ظهر جليّاً، بل معيبا في الشكل والمضمون في طريقة أدائه الأخير، وفي حقيبته الدبلوماسية التي هبطت في مطار بيروت وبداخلها عدة أسئلة موجهة مباشرة إلى جميع النواب اللبنانيين الذين اجتمع معهم في زيارته الأخيرة. هذه الأسئلة تضمنت مواصفات الرئيس، المهام المطلوبة من حكومته الإصلاحية وكيفية إدارة الحوار بين نواب المجلس للوصول إلى قواسم مشتركة لمرشح توافقي يُنتخب ويُصبح رئيسا للدولة.
هذه الأسئلة ما هي إلا صورة سوريالية تعيدنا بالذاكرة إلى طلاب البكالوريا اللبنانية الذين رسبوا في الدورة الأولى في حزيران أو تموز، فإذا بهم خلال إجازة الصيف التي منحهم إياها “مسيو” لودريان يستعدون فيها خلال فترة 55 يوما (Retraite) لامتحانات الدورة الثانية في شهر أيلول.
فجاءت أسئلته لنواب الأمة امتحاناً رسمياً بدون حدود مرعية وعدم احترام الأصول الدبلوماسية من بلد صديق يرعى الشأن السياسي الدولي والعلاقات الخارجية بين الدول، آخذين بالشكر له مسبقاً، ما يسعى إليه جاهدا لإخراج لبنان من هذا النفق المسدود.
يتساءل اللبنانيون من هو النائب الذي سيجيب ببراعة على هذه الأسئلة المطروحة والمتقاطعة مع ما يرنو إليه المحاور الفرنسي بذكاء منذ بداية طرحه ما يسمى ورشة عمل (Table de travail).
إن جميع الدول الكبرى والعظمى لدى اتخاذ قراراتها السياسية والمصيرية في تعاملها مع بقية الدول ذات الشأن مثل لبنان تقدِّم أولوياتها إلى جانب مصالحها الخاصة دون تردد. هذا المفهوم السياسي تؤكده مجريات الأحداث الحالية حول العالم بأسره دون شك.
في هذا المنحى وبينما الوقت يداهمنا بسرعة والوضع الاقتصادي في لبنان يتدهور نحو الهاوية، نداء لنواب الشعب ليتجهوا إلى الحلول التي نصَّت عليها القوانين المرعية والدستور اللبناني وينتخبوا رئيسا تحت قبة البرلمان اللبناني.
فرنسا المتربعة كخامس دولة على كرسي مجلس الأمن، عضو مؤسس في الأمم المتحدة، إحدى قادة الدول الأوروبية، فرنسا المعروف عنها حامية حريات الفكر الإنساني والسياسي، المنادية بحقوق الإخاء والمساواة منذ انطلاق ثورتها الفرنسية الأولى، فرنسا المعروفة بسلوكها المعتدل بين أقرانها من الدول المتحضرة نراها تناقض كل هذه الصفات في تطبيق مسارها المعروف في أسواقها الاقتصادية الحالية في قلب قارة أفريقيا حيث تُحكِم قبضة سيطرتها على معظم ثروات دول هذه القارة. مثال ذلك: الذهب من مالي، الحديد من موريتانيا، الخشب من الغابون، مادة الكولتان من الكونغو، الكاكاو من ساحل العاج، النفط من السنيغال واليورانيوم من النيجر، حيث تجري اليوم الأحداث الدامية والانقلاب على رئيس جمهوريتها، في حين بقية الدول العظمى، روسيا (عبر مجموعة فاغنر المرتزقة في أفريقيا)، أمريكا، ومن ضمنها فرنسا تجدهم جميعاً يسعون وراء مكاسبهم الخاصة، السياسية، الاقتصادية والعسكرية.
هل أصبح لبنان هذا البلد الصغير في مساحته مثله مثل بقية الدول المتعثرة رهاناً جديداً يتداول اسمه في ملف شركة توتال الفرنسية الراعية الأولى في الاستكشاف والتنقيب عن الغاز والنفط بدءاً ببلوك رقم تسعة والبلوكات التي تليها من أرقام على شاطئ لبنان في البحر المتوسط؟ ومن يدري. في السنوات السبعة القادمة يصبح لبنان مُصدِّرا جديدا أو مَصْدَراً إضافيا لدولة السنغال في أفريقيا وذلك في تصدير النفط والغاز للأسواق الفرنسية.
في السياق نفسه، نرى النائب جبران باسيل يُنصِّب نفسه أمينا عاما لثروات البلاد القادمة وصندوقه الائتماني إذ انطلق يساوم ويفاوض على نفطه وغازه متقاسما مع حليفه السياسي حزب الله. جاء هذا على لسان أحد نواب التيار الوطني الحر النائب أسعد درغام، “بأن القبول بالوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً واردٌ في حال قبول حزب الله بشروط التيار ونطمع للاتفاق ويصبح للبلد رئيسا للجمهورية”. وهكذا يوضع جانبا ما اتفق عليه سابقا النائب جبران باسيل مع فريق المعارضة على مرشح التقاطع الرئاسي جهاد أزعور متناسيا بذلك كل الاتفاقات السابقة.
يظل النائب باسيل محاورا قادرا على ركوب أي موجة حالية وقادمة في جميع التقلبات السياسية اللبنانية. كما أنه لا يكتفِ بما آل إليه الوضع في لبنان في عهد الجنرال لست سنوات من الجحيم وما كلف خزانة المال اللبنانية من خسارة فادحة قدِّرت حسب التقارير الجنائية الصادرة حديثا بقيمة خمسين مليار دولار أمريكي. هذه الخسارة المالية انحصرت فقط في مجال الطاقة نتيجة سياسته الفاشلة في ظل تعاقب وزراء الطاقة للتيار الوطني الحر منذ استلامه هذه الوزارة حتى تاريخه. إن أربع إلى خمس مليارات دولار أمريكي كحد أقصى كانت كافية لبناء أكبر معامل طاقة كهرباء في لبنان لتغذي الوطن بكامله 24/7 وتُشيَّد في خلال سنتين على الأكثر.
بالعودة إلى طرح الوزير مندوب الرئيس الفرنسي السيد ماكرون، ورسالته الاستبيانية (Questionnaire) وكأنها بدأت بالخروج عن مسارها الأصلي المعتمد والصادر عن بيان الاجتماع الخماسي الذي انعقد في دولة قطر. فبدا في مكان ما كأنها تُعطل روحية مجلس النواب اللبناني ودستوره، وتعيِّن رئيساً. كان من المفروض دعوة 15 نائبا لبنانيا فتم دعوة 36 نائبا وجاء على لسان أحد نواب المعارضة أن السيد لودريان هو في الجوهر وسيطاً وليس بطرف، وإن أسئلته كانت بمثابة إهانة للنواب في الشكل والمضمون. فجاء الاعتراض على نص الاستبيان الفرنسي من 31 نائباً من كتلة المعارضة. كان من الأجدى التمسك بالبروتوكول الديبلوماسي المتعارف عليه في وزارة الخارجية الفرنسية المشهود لها بالتعاون والاحترام مع الدول الصديقة، واللجوء إلى مراعاة تطبيق القوانين اللبنانية المرعية والدستور اللبناني للوصول إلى حل يُرضي الجميع ويُنعم لبنان برئيس للجمهورية في أيلول القادم.
مما تقدم، ما زالت زيارة السيد لودريان المرتقبة في أيلول غير محددة الموعد. وعليه أولا، توصيف كلمة حوار بوضوح أكثر قبل مرور الوقت. وإن طلبه في توثيق الإجابة خطياً جاء إهانة مباشرة للنواب. يتساءل هنا اللبنانيون، هل حان الوقت في إعادة النظر في الاستبيان الفرنسي أم أنه حان إعلان فشل هذه المبادرة الفرنسية، والذهاب إلى ما قاله حقيقة في موعظة يوم الأحد نيافة الكاردينال الراعي؟
عاش لبنان حرا سيدا مستقلا

الكاتب: المهندس شفيق ملك
المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal