الأب السياسي..؟… شفيق مَلِك

عيد الأب مناسبة تحمل في طياتها معاني المحبة والتضحية والعطاء وهي تطرح سؤالاً مشروعاً عن الأب السياسي للبنان……؟

هذا السؤال تبرِّرُه تطورات الأحداث الجارية في لبنان التي تدل على أننا لم نبلغ بعد سنّ الرشد وإلا ما معنى المراوحة في مربع انتظار “كلمة السر القادمة من الخارج” لانتخاب رئيسٍ للبلاد والخروج من المأزق القاتم القائم.

ما تقدّم يعيدنا إلى الجلسة الأخيرة لمجلس النواب والتي تحمل رقم “12” حيث كان أداء مجلس النواب بمعظمه دون المستوى الوطني المطلوب، فجاء حصر 128 صوتاً أمراً صعباً، وضاع منه صوت ناخب من النواب.

كان لزاماً على الرئيس نبيه بري واللجنة المولجة إدارة العملية الانتخابية، إعادة فرز الأصوات وتحديد الصوت “الضائع” أمام وسائل الإعلام، علماً أن ذلك لن يُغيّر في حاصل النتيجة النهائية 59 أو 60 صوتاً. مقارنة بسيطة مع ما حدث منذ أشهر في الانتخابات الرئاسية التركية، فقد فرزت تركيا أكثر من 55 مليون صوتاً بأقل من 24 ساعة من دون ارتكاب أي مخالفة دستورية تذكر. هذه الشفافية الإجرائية في التطبيق هي ما يطمح إليه ويطالب به شعب لبنان المحبط من تصرف ممثليه في البرلمان النيابي.

لا شك في أن الوضع السياسي المأزوم مستمر على حاله دون الخروج من شرنقة مساره المتعثر، وذلك منذ اليوم الأول لفتح مجلس النواب اللبناني الأخير. بالمقابل نرى تطوراً جديداً وهاماً حدث في الاقليم، أي في العلاقات الخارجية بين الدول وبالأخص ما جرى من تغيُّرات ملحوظة وتقارب ملموس بين المملكة العربية السعودية وإيران وإعادة التمثيل الدبلوماسي بينهما، وكذلك عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إضافة إلى المشهد السياسي الدبلوماسي الذي تشهده هذه الأيام مدينة بيروت في السفارة السعودية من لقاءات على أوسع نطاق شملت السفير الإيراني والقائم بأعمال السفارة السورية. كل هذه الإيجابيات لم تُسفر حتى الآن عن أي انفراج أو تأثير مباشر في إطار الملف اللبناني الرئاسي، بل بالعكس نرى تشدُّداً في شتى المواقف السياسية المعلنة من جميع الكتل السياسية.

الجميع في لبنان يترقَّبُ باهتمام زيارة الموفد الفرنسي والممثل الشخصي للرئيس ماكرون وزير الخارجية السابق لودريان ومدى أهمية لقاءاته مع جميع القوى السياسية في لبنان.

الأسئلة الكثيرة التي طرحها الزائر الفرنسي لها دلالة واضحة على مضمون زيارته وفحواها. نعم إنها تثير الجدل حولها حتى الساعة وكأن لودريان ليس لديه فعلاً أي خارطة طريق فهو حريص في تعامله، يسمع كثيراً ويتكلم قليلاً، جامعاً ما استطاع من معلومات يستقيها مباشرة من قادة الأحزاب اللبنانية والقادة الروحيون وفي كيفية إيجاد الحلول للوضع الراهن المأزوم. يبدو أن هذه الزيارة المميَّزة هي زيارة استطلاعية ستتبعها زيارات أخرى.

فرنسا بما تحمله من ثقافة وإرث تاريخي منذ ثورتها، وتحديداً في موضوع حقوق الإنسان، تُقارب الشأن السياسي اللبناني انطلاقاً من مصالحها الاقتصادية ضاربة عرض الحائط بالمعايير الأخرى. ويبدو من التجربة أن الفرنسي لم يعد الأب السياسي للبنان وإن كان مستمراً بدور الأم الحنون.

بعد تداعيات 14 حزيران الأسبوع المنصرم وما نتج عنه من تعادل سلبي قامت الدول الخمس المعنية بالملف الرئاسي اللبناني، خاصة أمريكا، بالضغط على الفرنسيين، إذ تبيَّن عدم قدرة أي فريق سياسي التغلب على الفريق الآخر وإمكانية كل فريق على تعطيل نصاب الجلسة الدستورية.

هذا الأمر استدعى تدخلاً أمريكياً لدى فرنسا لمزيد من الجهد في إيجاد حل يرضي أمريكا والسعودية ولا يستفز طهران وذلك بسبب التباين الكبير بين الموقفين السياسيين الأمريكي والفرنسي حول تسوية انتخاب الرئيس.

أما مصر وقطر فهما بانتظار الحصول على ضوء أخضر من مجموعة الدول الخمس لتسهيل انتخاب الرئيس ثم الحث على المباشرة بالإصلاحات بعد تأليف حكومة متوازنة يتقبلها الجميع.

من الواضح أنَّ المملكة العربية السعودية لم تُبدّل حتى الآن موقفها السياسي لاسيما أنها تعلن للملأ أن الانتخابات الرئاسية هي شأن لبناني بامتياز لكنها حريصة على معايير إصلاحية محددة وسوف ستتعاطى مع النتائج النابعة عن انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

بعيداً عن كل هذه الأضواء، الأميركي المتحدث بصمت وصاحب الدور الحقيقي ينتظر الفرصة السانحة ليتقاسم أبوَّة الحل مع إيران. ألا تكفي هذه المعطيات الإيجابية من الدول الخمسة المعنية لأن يغتنِمَ نواب الأمة هذه الفرصة الفريدة فيضعوا السلبيات جانباً ويذهبوا إلى جلسة انتخابية تصنع رئيساً في لبنان دون تدخل خارجي. ليحيا لبنان حراً سيداً مستقلاً..

الكاتب: المهندس شفيق ملِك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal