الأحداث والتحركات السياسية وتأثيرها على الملف الرئاسي!… شفيق ملك

تتسارع بنا الأيام في خطى لم يشهد لها مثيل من ذي قبل بأفول شهر آب وبلوغ حتى النصف الأول من شهر أيلول وما نتج من لهيب الأحداث السابقة والمنتظر حدوث أقرانها في الأيام القادمة. وما زال الواقع السياسي في لبنان على حاله من التأزم والتشرذم لم يسبق لهما مثيل، وبات الحل السياسي المنتظر مطلبا بعيد المدى وصعب المنال.
أكثرها جدلاً يوم 31 آب موعد تمديد قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل العاملة في الجنوب اللبناني، المتمركزة عند تخوم الحدود الشمالية لأرض فلسطين المحتلة.
ما يدور حاليا من جدل سياسي ودبلوماسي في مقر مجلس الأمن برفض الفريق اللبناني من التوجه الدولي في تعديل مهام قوات حفظ السلام تحت البند السابع، شريطة إعطاء هذه القوات حرية أوسع في الحركة دون تنسيق مسبق ومرافقة الجيش اللبناني لها جنوبا، مما يثير حفيظة كل من الحكومة اللبنانية لتصريف الأعمال وحزب الله. في المحصلة بات الحل قريبا وسيتم التمديد لقوات اليونيفيل دون مشاكل.
تزامن هذا الحدث مع وصول سعادة سفير دولة قطر الجديد إلى بيروت، لاسيما توافَدَ لاستقباله في مطار الشهيد رفيق الحريري عدد كبير من السفراء المعتمدين في لبنان. كلهم في حيرة وشغف بما يحمله القطري في حقيبته الدبلوماسية من حلول مطروحة للأزمة الرئاسية، لتبعث من جديد أملا محتملا لحل أزمة لبنان الراهنة. سعادة السفير القطري هل جاء بالصدفة، أم تزامن قدومه قبل أسبوعين من استحقاق زيارة المبعوث الفرنسي السيد لودريان، كما جاء مجيئه قبل الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين المحاور الرئيسي في ترسيم الحدود البحرية سابقاً، الذي أتم مهمته بنجاح وبسرعة فائقة إتَّسَمَت بقدر من الحرفية السياسية والدبلوماسية البارعة أدهشت حينها جميع الأفرقاء.
وكأننا نراه عن قريب يحاور على محور لا يقل شأنا وأهمية عن الترسيم البحري، هو الترسيم البري مع كل من سوريا وفلسطين المحتلة. هذه المهمة وإن كانت معقَّدة قد نراها في الأيام القادمة لتطفئ هذه المهمة بعض الحرائق السياسية التي اندلعت مؤخرا عند حدود مزارع شبعا وكفرشوبا وغيرها من القرى الحدودية المشتركة في الجنوب اللبناني مع العدو الإسرائيلي. على العموم فإن زيارة هوكشتاين جاءت لتثبيت أعمال الحفر والتنقيب في بلوك 9 والانتقال الطبيعي لبلوكات أخرى في جو من الاستقرار والأمن في المنطقة كلها.
في هذا السياق أمريكا، كما نعلم، لديها جميع الخيوط السحرية التي توصلنا إلى حل ما ومقبول سياسيا لدى الأطراف جميعها. وقد تكون زيارة هوكشتاين المفاجئة يقطن ورائها شيء ما، وبالرغم من هذا كله، فإن مشكلة مزارع شبعا ما تزال تتأرجح أحقِّيتها ما بين أراضٍ لبنانية وسورية وتكمن المشكلة وراء خيط رفيع هو إبداء الحقيقة والجواب يبقى عند الجانب السوري. أم أنها قضية أصبحت من تاريخ الأدب العربي بما نعرفه عن قصة مسمار جحا.
أما عن زيارة السيد لودريان المبعوث الرسمي لرئيس جمهورية فرنسا السيد إيمانويل ماكرون فجاءت واضحة ولا تحتاج إلى تفسير أو تحليل سياسي ظهرت أبعادها من خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي يوم الإثنين الماضي في مؤتمر للسفراء الفرنسيين في قصر الأليزيه، وذلك بعد إشادته بجهود لودريان في مهمته الرئاسية في لبنان. لم يستطع الرئيس الفرنسي في خطابه آنذاك إلا أن يكشف عن وجود عرقلة ما من الجانب الإيراني في صلب مساعي مهمة لودريان كما جاء في خطابه “مفتاح الحل السياسي يحتاج إلى توضيح التدخلات الإقليمية في هذا البلد ومن ضمنها تدخل إيران”. وكأن الرئيس الفرنسي يثير عنوانا كبيرا رُفض في السابق ومنذ زمن بعيد عند طرح موضوع 5 زائد 1 وذلك بإشراك دولة كبرى لاعبة في الاقليم وهي إيران وتضاف كعضو جديد في اللجنة الخماسية.
هذا الإشكال السياسي المعلن والقائم صاحبه زيارة مفاجئة لمعالي وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت فماذا يحمل الوزير الإيراني في حقيبته الدبلوماسية من طروحات جديدة؟
بينما في الداخل اللبناني جميع النواب اللبنانيين المعنيين في الرد على الأسئلة التي طرحها السيد لودريان على وشك الإجابة عنها قبل الموعد المحدد في 31 آب. في حين الحوار الرئيسي بين التيار العوني وحزب الله ما زال قائما بينهما دون توقف، والعمل عليه جاريا في تحضير الإجابة للنقاط المطروحة من قبل النائب جبران باسيل لأهميتها لدى فريق الممانعة ويعوِّل عليها كثيرا لما لها من تأثير مباشر في عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية لمرشحهم الوحيد الوزير السابق سليمان فرنجية.
بينما نواب المعارضة الـ 31 نائبا ما زالوا عند موقفهم آخذين بما جاء به البيان الصادر عن الاجتماع الخماسي في قطر متمسكين بالثوابت دون تراجع أي الذهاب إلى طلب فتح جلسات برلمانية مفتوحة ومتتالية وبمباشرة عملية التصويت حسب القوانين المرعية والدستور اللبناني المناط بها تحت قبة البرلمان اللبناني هو المفتاح الوحيد لحل هذه الأزمة القائمة في لبنان.
أما الداخل اللبناني وما يرافقه من متغيرات وأحداث تقع هنا وهناك على الساحة اللبنانية مع موجة عارمة من الزيارات القادمة لممثلين عن الدول العظمى ودول الإقليم فإن الداخل بأسره لا ينفصل عما يجري من أحداث متنقلة في محيطه الإقليمي وفي ساحات الدول الكبرى.
تحرك الأسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط له دلالة كبرى عن حدث هام قد يحدث قريبا. التمركز الجديد للقوات الأمريكية على خط بطول 50 كم من ألـ “بو كمال” إلى “التنف” من الحدود العراقية السورية بعرض 25 كم من كل جهة ما هو إلا دليل لتحركات عسكرية شاملة في المنطقة هدفها شيء ما في المدى القريب، قد تكون ساحته الشرق السوري وردة فعل شديدة في العمق العراقي. ولا يستثنى من ذلك ردَّات فعل في الداخل اللبناني هذا ما جاء به التصريح الإيراني لتحركات عسكرية أميركية مقلقة برا وبحرا. يصاحب هذه التحركات العسكرية في المنطقة مظاهرات وتجمعات شعبية مناهضة للحكم السوري للأسبوع الثاني في منطقة السويداء سببه تدني الوضع الاقتصادي السوري وسقوط سعر صرف الليرة السورية بالنسبة للدولار الأمريكي في أدنى مستوياته. مما أدى الى موجة نزوح جديدة من الداخل السوري إلى داخل الأراضي اللبنانية وفقا لبيان قيادة الجيش اللبناني في إحباط محاولة تسلل نحو 1550 سورياً عند الحدود اللبنانية السورية خلال الأسبوعين المنصرمين. توالي الغارات الإسرائيلية لمطار حلب وإخراجه عن الخدمة، إنها دلالات أخرى تنذر بحدث ما داخل الأراضي السورية.
أما دوليا فمقتل زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين أحد أهم مساعدي الرئيس بوتين في تحطم طائرة خاصة في روسيا خبر لا يمكن المرور عنده بسرعة لا سيما أنّ “مجموعة فاغنر” ميليشيا مسلحة لها تاريخ ملطَّخ بدماء شعوب المنطقة العربية ليبيا سوريا والسودان وعدد كبير من البلدان الإفريقية. السؤال هنا هل يستمر عمل هذه المجموعة أم انتهت مهمتها بمقتله؟ حدوث انقلابين في إفريقيا، النيجر تلاه الغابون، كلها مؤشرات سلبية تحدث حولنا في هذا العالم المتغير جيوسياسيا أقله يحتاج إلى حلول إيجابية تؤدي إلى استقرار أمني شامل في المنطقة.
ومازال مخيم عين الحلوة الفلسطيني تحت المجهر في تحركاته الداخلية التي تثير الشك والريبة حتى الآن. لا بد من الإشارة بمكان بأن الخطاب السياسي المشحون في الداخل اللبناني من قبل جميع الكتل السياسية وإطلاق التهم في شتى الاتجاهات والحديث عن مجمل من الاغتيالات السياسية لشخصيات عربية وغيرها كلها قد تقوم بها إسرائيل، كلها دلالات سلبية في الوصول إلى حلول مرضية ولا يساعد أبدا في التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
بالعودة إلى الملف الرئاسي في لبنان حيث هدفنا الرئيسي وهمنا الأول والأخير هل هناك حلول صالحة للتطبيق في المدى المنظور وتستقيم الأمور السياسية جميعها ويحظى لبنان برئيس للدولة عما قريب وأن الانفراج السياسي قادم لا محالة، لست أكيدا.
حمى الله لبنان واللبنانيين.
الكاتب: المهندس شفيق ملك.
المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal