أرخت أحداث مخيم عين الحلوة بثقلها على الوضع العام في لبنان، خصوصا مع المحاولات المشبوهة التي إستمرت على مدار أربعة أيام بهدف توسيع دائرة الاشتباكات الى خارج المخيم، من خلال إستهداف صيدا بالقذائف والرصاص، وكذلك حارة صيدا ومقرات الجيش اللبناني، لاستدراج أطراف أخرى الى جولة العنف التي قتلت ودمرت وأحرقت وهجرت وعطلت عجلة الحياة في عاصمة الجنوب ومن ضمنها المخيم المنكوب.
بالرغم من أن أصحاب المصالح في هذه الأحداث كثر كلٌ لأسبابه، إلا أنها سواء جاءت قصدا أو مصادفة فإن لها أهدافها التي باتت واضحة لجهة:
أولا: إرباك الوضع الداخلي في لبنان في ظل إستمرار الشغور الرئاسي وتحلل مؤسسات الدولة وذهاب التيارات السياسية في عطلة شهر بتوجيهات من المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي يعود في أيلول لطرح الحوار المغلف بالمشاورات.
ثانيا: إرباك حزب الله والمقاومة في وقت يسابق فيه الحزب الوقت لترتيب كثير من الأوراق على وقع الاعتداءات الاسرائيلية التي إما أن تتوقف فتفرض تهدئة جديدة، أو تؤسس لحرب، المقاومة على أتم الجهوزية لها.
ثالثا: تقديم خدمة مجانية للكيان الصهيوني خصوصا أن إشتباكات عين الحلوة تأتي في وقت ترتقي فيه المقاومة في فلسطين الى مصاف متقدم جدا، وتؤسس لدور مؤثر وحقيقي يربك العدو الذي بدأ يحسب له ألف حساب خصوصا مع تمدد هذه المقاومة الى الضفة، وبالتالي فإن أحداثا من هذا النوع العبثي من شأنها أن تسيء الى القضية الفلسطينية وأن تخلق رأي عام غاضب على التقاتل الحاصل بين أبناء الشعب الفلسطيني.
لا شك في أن أحداث مخيم عين الحلوة، وإن كانت تخدم بعض الأجندات اللبنانية التي حاولت إستغلالها للتصويب من خلال السلاح الفلسطيني في المخيمات على سلاح المقاومة، في حين قام البعض بربطها بزيارة مسؤول جهاز الاستخبارات الفلسطينية في رام الله ماجد الفرج الشخصية الملتبسة التي تثير أكثر من علامة إستفهام، إلا أن مصادر مطلعة تؤكد أن زيارة الفرج كانت مقررة قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، فضلا عن ربط هذه الأحداث بالطاولة المستديرة التي تقيمها مصر لحوار الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ومحاولة إطلاق النار عليه.
وفي غضون كل ذلك، يبدو أن هناك أجندة لبعض التنظيمات الاسلامية المتطرفة، جعلها تقدم على هكذا خطوات وفي هذا التوقيت بالذات، الذي يتزامن مع الحديث عن تسرب عناصر إسلامية من خارج لبنان الى مخيم عين الحلوة، ما يطرح سؤالا محوريا لجهة: ماذا يريد بعض الاسلاميين من مخيم عين الحلوة؟، خصوصا أن هؤلاء ليس لديهم أي بيئة حاضنة لا في لبنان عموما ولا في صيدا خصوصا ولا في المجتمع الفلسطيني على وجه التحديد، ويدرك هؤلاء أن تحركهم لن يمنحهم عطفا أو مؤازرة من أي فصيل، في ظل حرص التنظيمات الاسلامية الأساسية التي تمتلك الحضور والفاعلية في المخيم على أن تبقى خارج المعركة وعلى أن تشارك في الاتصالات مع سائر الفصائل لوقف إطلاق النار، علما أن المجموعات التي توجه إليها الاتهامات بفتح المعركة ضد حركة فتح هي من دون قيادة، فهل لدى تلك المجموعات معطيات عن تسويات مقبلة تسعى الى أن يكون لها دورا وحضورا فيها لكي لا تتحول الى كبش فداء؟.
واللافت أيضا، أن بعض وسائل الاعلام سواء عن علم أو عن جهل بواقع المخيم، كانت تغطي الأحداث الجارية وفق أجندة أو توجيهات معينة، لجهة بث الأخبار حول إقتحامات لمواقع عائدة لـ”عصبة الانصار” و”شباب الاسلام” ربما للاستدراج، خصوصا أن دخول سائر التنظيمات الاسلامية التي أصبحت خارج الأجندات الخارجية الى المعركة تجعل حركة فتح مربكة وربما غير قادرة على المواجهة بمفردها.
بات واضحا أن حركة فتح تقاتل مجموعة من الأشخاص بينهم قاسم مشترك هو أنهم مطلوبون للعدالة، وهم يمارسون القتال من أجل القتال وليس من أجل أي أجندة أخرى تجسيدا للفكر الذي يحملونه بأن القتال يشكل سبيلا لهم للبقاء وللعب دور ضمن المخيم من دون أن يكون لديهم أية حسابات سياسية.
لا شك في أن المساعي التي تبذل على مدار الساعة، وإن فشلت أكثر من مرة في تثبيت قرارات وقف إطلاق النار، إلا أنها يُتوقع لها النجاح خلال الساعات المقبلة، إلا إذا كان هناك من يريد “بارد جديد” في صيدا، وفي كل الأحوال، فإن هذه المجموعات ستبقى عبارة عن قنابل موقوتة قد تفجر الأوضاع الأمنية في أي لحظة.
Related Posts