لبنان أمام نموذجين.. النكد السياسي وحماية الدولة!… غسان ريفي

نموذجان سياسيان يتقاسمان المشهد اللبناني العام، الأول يتلخص بالتجاذبات والحرتقات وممارسة النكد السياسي والتعطيل والوقوف في وجه كل المبادرات التي يمكن أن تطلق بحجة عدم وجود رئيس للجمهورية.
والثاني، يتمثل بمسؤولية حماية الدولة والحفاظ على الاستقرار النسبي سياسيا وماليا وأمنيا، ومنع الانهيار الكامل، ومواجهة كل من يعمل أو يسعى الى تفكيك البلد والذهاب به نحو الفراغ الأفقي الذي قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه.
لم يعد خافيا على أحد أن إنتخابات الرئاسة متأخرة لمدة أقلها شهرين، خصوصا بعدما ضرب المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان موعدا للتيارات السياسية في أيلول لاقامة حوار يفضي الى التوافق على قواسم مشتركة تمهد لانتخاب رئيس جديد، ما يعني أنه منذ الآن وحتى ذاك التاريخ فإن الشغور في رئاسة الجمهورية سيستمر بالتزامن مع إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، وما قد يخلف ذلك من أزمات جديدة.
وفي ظل الدولة المشلولة والمؤسسات المعطلة، والتيارات السياسية التي تتلهى ببعضها البعض وتستخدم الشغور والأزمات ومعاناة الناس لتسجيل النقاط وتصفية الحسابات وممارسة شعبوية ممجوجة بحثا عن شعبية مفقودة، فإن الحراك الوحيد الذي ما يزال يحافظ على وجود الدولة ويسعى الى إيجاد الحلول لكثير من المشاكل هو مبادرات حكومة تصريف الأعمال التي يصر رئيسها نجيب ميقاتي على القيام بمسؤولياته الوطنية وممارسة صلاحياته وفقا لمقتضيات الدستور وذلك من أجل الحفاظ على هيكل الدولة وتفادي إنهياره على رؤوس الجميع، وعلى ما تحقق من إستقرار نسبي خلال الفترة الماضية، خصوصا أن ميقاتي ومنذ أن جاء الى السلطة في ظل الانهيار الكبير، اكد أن مهمته تكمن في فرملته أو التخفيف من إنعكاساته الكارثية ومنع تمدد الفراغ الذي يهدد البلد والدولة والمؤسسات ومصالح الشعب اللبناني.
بات واضحا ان الرئيس ميقاتي لم يعد يلتفت للإفتراءات والسهام ومحاولات الاستهداف التي ثبت بالوجه الشرعي أنها تصب كلها في تحقيق مصالح ومكاسب سياسية وتنبع من حقد شخصي، خصوصا ممن يتعاطون مع الحكومة على “القطعة” وجعل قراراتها “غب الطلب”، حيث يعتبرونها شرعية وميثاقية ودستورية عندما تتوافق مع مصالحهم، ويتهمونها بمصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية عندما تعمل على تحقيق مطالب اللبنانيين وتحاول الاستمرار في تسيير المرفق العام.
لم يعد الامر يحتاج الى كثير من الجهد للتفريق بين النموذجين، وبين من ينظّر بالبيانات والتصريحات ويتباكى على المواقع التي يتمدد اليها الفراغ، ثم يمنع اي خطوة من شأنها ان تؤدي الى التخفيف من تداعيات ذلك، وبين من يعقد الاجتماعات المتتالية مع الوزراء المعنيين والجهات الدولية، تارة لمعالجة ازمة النازحين وتارة أخرى لمواجهة مطالب موظفي القطاع العام، ومؤخرا لمنع الفراغ في حاكمية مصرف لبنان، حيث عقد الرئيس ميقاتي ثلاثة اجتماعات على مدار ثلاثة أيام متتالية لتطمينهم وحثهم على الاستمرار في تحمل مسؤولياتهم وثنيهم عن الاستقالة، وقد نجح نوعا ما في إقناعهم وفي التخفيف من تداعيات انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة على الوضع النقدي بعدما حالت مقاطعة بعض التيارات السياسية لجلسة الحكومة من امكانية تعيين حاكم جديد.
والمفارقة، انه في الوقت الذي كان فيه الرئيس ميقاتي يعلن حالة الطوارئ في السراي ويعقد سلسلة اجتماعات مع نواب الحاكم والوزراء المعنيين لإيجاد المخارج ويدعو لعقد جلسة حكومية يوم الاثنين المقبل، كانت المعارضة تعقد اجتماعا للتفكير في تلبية دعوة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان للحوار، ويبدو انها لم تتوصل الى قرار، فأعطت نفسها مهلة 48 ساعة لتتخذ القرار المناسب، فيما الفراغ يأخذ بالتمدد وصولا الى تحلل مؤسسات الدولة!..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal