زيارة الوصاية!… شفيق ملِك

تزامنت ساعات رؤساء الكتل النيابية وأعضائها في لبنان لملاقاة الحدث الأكبر، بعد انتظار طال وإن قصرت مدته، في ظلِّ صيف ملتهب مناخياً وسياسياً. ولا عجب أن المندوب الرئاسي الفرنسي الوزير جان إيف لودريان، بحنكته المعروفة المتنقلة معه بين دهاليز قصر الإليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية، خطط بإتقان لقاءاته السياسية في لبنان.

هذه اللقاءات شملت الاطراف المتناحرة، خصَّص بنهايتها بعض رؤساء الكتل بلقاء انفرادي لمدة تقارب الثلاثين دقيقة. أعطى بذلك فسحة أمل للخصوصية، ليستدلّ على مكامن الوجع اللبناني الحقيقي ويسمع عن قرب أسباب هذا الوجع الدائم. لنتريَّث هنا قليلا ونسأل: هل طرأ فعلاً على الدبلوماسية الفرنسية أي ملامح تغيير؟ لا سيما وهي المشهود عنها احتضانها بقوة لفريق سياسي لبناني واحد، تعود أسبابه الواضحة الى معايير اقتصادية بحتة: ساحاته معلومة وشواطئه محددةُ الإحداثيات بالترسيم جنوباً وإن نقصت في بعضها شمالاً. هل جاءت الدبلوماسية الفرنسية بوجه جديد؟ فكانت الحقيبة الدبلوماسية، تحمل في داخلها أفكاراً مختلفة؟ أم أن المندوب الفرنسي لامس عن قرب تجذر المشكلة القائمة، فسلك منهجاً مميزاً وأسلوباً مغايراً عن زياراته السابقة للبنان، علماً أن تسعة أشهر مضت دون الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية. وما زال الطريق إلى كرسي الرئاسة محفوفا بالقنابل الموقوتة: منها السيادي – الاجتماعي- الاقتصادي- التربوي- الاستشفائي – القضائي- المالي وغيرها من العناوين الأساسية، والتي تقع جميعها في سلة واحدة تحت مسمّى السلطة والحكم في لبنان. هل تخلَّى “مسيو لو دريان” عن العناوين السياسية السابقة، فتركها وراءه وأمسى أقرب إلى الواقع السياسي اللبناني في تلك الزيارة؟، أم أن هناك تغيّرات محورية حدثت فعلاً حول ملف الرئاسة اللبناني في زيارته الأخيرة؟ خلال لقائه الأخير مع ممثلي اللجنة الخماسية في دولة قطر، حيث شاركه كل من سفراء هذه الدول الخمس الممثلة في بيروت، أضاف المندوب الرئاسي الفرنسي إلى جعبته عناوين أقرب للوصف السياسي القائم، مما أحدث نافذةَ أملٍ جديدةٍ بين معظم الكتل السياسية المتصارعة بخصوص الملف الرئاسي.

لقاءات المبعوث الرئاسي الفرنسي للبنان شملت أغلبية الكتل السياسية خلال ثلاثة أيام، أبرز ما جاء فيها:

– التأكيد الفرنسي على تبني حل للملف الرئاسي اللبناني.

– الاستمرار في الاستطلاع المباشر مع الكتل للوصول إلى الغاية المنشودة على أساس نقاش محصور بمهام الرئيس ومواصفاته ضمن مدى زمني قصير.

استشعر المندوب الفرنسي بوضوح في اجتماع الدوحة مع اللجنة الخماسية انطلاق شرارة المنافسة القطرية، يؤازرها الفريق السياسي المصري لتبني طرح جديد لملف الرئاسة في لبنان.

هذا الموقف الثنائي أثار حفيظة المحاور الفرنسي لإيجاد خطة بديلة سريعاً، كي لا يولد انطباعاً لدى الآخرين بفقدان فرنسا دورها التنفيذي. هذه الخطة هي استبدال طرح فريق الممانعة الحوار دون شروط مسبقة، بدعوة إلى التشاور وفقاً للمصطلح الفرنسي الجديد وهو طاولة عمل (Table de Travail)، وذلك في مدة أقصاها النصف الأول من شهر أيلول المقبل. فاقترح لودريان على جميع الجهات المشاركة في عملية انتخاب رئيس للبلاد ودعاهم إلى لقاء في لبنان في شهر أيلول. وتأكيداً لهذا الاقتراح، أعرب عن رفضه المباشر لأي حوار كلاسيكي، الذي تبناه بشدة فريق الممانعة، وذلك بتسويق جديد في السياسة الفرنسية هو أقرب إلى بدعة سياسية مستحدثة، وهي التشاور في انتخاب الرئيس، مع الإصرار الكامل على ما نص عليه الدستور اللبناني.

بالمقابل فقد كان فريق المعارضة السياسي منسجماً مع نفسه، مؤكداً على مواقفه الثابتة، مصراً على تطبيق اللعبة الديمقراطية البرلمانية من خلال الجلسات المفتوحة دون تعطيل للنصاب القانوني تطبيقاً للدستور. حتى تاريخه لم يصدر جواباً نهائياً من أركان المعارضة، وقد يخرج هذا الرد في أي وقت لاحق، اما بقبول أو برفض ما طرحه المندوب الفرنسي وذلك وفقاً لما صدر عن لسان رئيس الكتائب اللبنانية. أما الثنائي الشيعي وما يمثله من كتل، فقد ظل متمسكاً بمرشحه الوحيد الوزير السابق فرنجية، وقد عبَّر عن ذلك بوضوح رئيس الحزب. كذلك فعل أحد ممثلي الكتل النيابية المركَّبة حديثا، والمؤتمرة من الحزب مباشرة، فنقل حرفياً إلى المندوب الفرنسي اسم فرنجية كمرشح وحيد للرئاسة، علماً أن المندوب الرئاسي لو دريان حاول كثيراً ألا يدخل مع أي فريق في لعبة الأسماء. أما عن فريق الوزير فرنجية فقد عبَّر أعضاؤه عن موقفهم الثابت وأنهم ليسوا على عجل في أمرهم متذرعين بالصبر ونسي بعضهم أن “للصبر حدود”. بينما المندوب الفرنسي حتى يومنا هذا لم يؤكد تخليه عن المرشح فرنجية أو انتقاله إلى مرحلة متقدمة، ليلوِّح بما همس في دهاليز السياسة اللبنانية أي بقانون العقوبات الأوروبية والأمريكية لكل من يعرقل مسار الملف الرئاسي.

أما ما هو آت وقريب في شهر آب، حيث الوزير الفرنسي بعيداً عن المسرح السياسي في بيروت متمتعاً بإجازة صيفية طويلة، فقد يطرأ على المشهد السياسي اللبناني القادم تغيُّراً مفاجئاً بوصول المندوب القطري إلى بيروت قادماً من الدوحة بعزم وقوة، مستلهماً مما جاء في بيان اللجنة الخماسية.

فهل تتبدّل قواعد اللعبة وتتغيّر حينها مكونات سلة الأسماء في طرح جديد؟

ويبقى السؤال، متى يغادر سياسيو لبنان مُربّع الوصاية ونبلغ جميعاً سن الرشد؟ لست أدري، ولست متفائلاً.

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً!..

الكاتب: المهندس شفيق ملِك المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal