لبنان بين جناحيه.. المغترب والمقيم!… شفيق ملِك

مضت نفحات العيد بسرعة ومضة العين، بربوع لبنان، حملت بين ثناياها بشائر أبنائه العائدين من ذوي الجذور الأصيلة.
جاؤوا يسكنهم الشوق من كندا وقارتي أميركا كذلك من نيوزلندا إلى آسيا مروراً بأستراليا.
عبروا المحيطات في شغف ومحبة، فتقابلت وفودهم مع حشود كبيرة على أرض صالات مطار الشهيد رفيق الحريري حيث تواجد هناك قدامى المحاربين اللبنانيين القادمين من قارة أفريقيا وكذلك القاطنين في قارة أوروبا فاختلط الجمع في أرض المطار مع لمسات حنين للوطن، دون تمييز مع كل العاملين الذين أتوا من كافة أرجاء البلاد العربية والخليج العربي، فشكَّلوا جميعهم باقات معبّرة تفيض بالجمال من ورود وأزهار وياسمين، يفوحُ عبيرها إلى كافة مناطق لبنان، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى ساحله. كتل متراصَّة من جموع المواطنين تحمل في داخلها صلابة جبال صنين وعنفوان أرزه الشامخ في أعالي جباله الشمالية.
تلك هي اللوحة الناطقة بحقيقة مغتربي لبنان في أحلى صورها. قدم المغترب اللبناني من كافة أرجاء المعمورة حاملاً معه حبه للوطن، لأبناء بلده حيث وجدوا.
ليقدِّم ما استطاع من تضحيات دون كشف حساب وزرْع البسمة ومدّ ما لزم من جسور بين أفراد عائلته وأقاربه وأصدقائه. ليجسِّد نموذجاً حياً لروح المحبة بين أبناء الوطن الواحد.
هكذا جُبل شعب لبنان منذ الأزل بصفاته المميزة وتستمر رسالة الفداء للوطن من جيل إلى جيل دون كلل متخطية الصعوبات والتحديات عند كل المحطات والمنعطفات التاريخية السياسية في لبنان. ويبقى لبنان شعلة مضاءة لجميع أبنائه.
إن عدد المغتربين المتوقع مجيئهم صيف هذا العام يقارب المليون مغترب لبناني والمتوقع أيضاً إنفاقهم خلال هذه الفترة ستة مليار دولار أميركي حسب توقعات وزارة السياحة في لبنان.
نعم إن هذا المبلغ وإن تجاوز بكثير رقم ما قد يحصل عليه لبنان من قرض من صندوق النقد الدولي وهذا المبلغ بالطبع سيصرف على مختلف القطاعات التشغيلية محرِّكاً إياه جمود السوق المحلي اللبناني. ذلك دون أي تأثير مباشر على حركة النمو الاقتصادي في لبنان.
لبنان المقيم لوحة سوريالية تتداخل فيها خطوط الفقر والعوز وانقطاع وغياب الكهرباء وفوضى ركن السيارات، رحلة البحث عن الدواء وتحليق الأسعار وفوضى الدراجات النارية تحاصر المواطنين أينما ذهبوا، حالها حال الأوساخ في الشوارع وروائحها المنبعثة والغياب شبه الكامل للمؤسسات المعنية.
ناهيك ما يتحمله المقيم من مآسٍ إدارية أثقله بها فساد معظم ساسة لبنان لا سيما استمرار كل من الجمود السياسي والبدء بالإصلاح الإداري في المؤسسات في ظل هذا الشغور الرئاسي المستمر منذ تسعة أشهر.
هذه الصورة القاتمة تنتظر النور القادم مع عودة لبنان المغترب إلى لبنان المقيم، علَّ وعسى تساهم هذه العودة في رفع بعض الهموم عن كاهل المواطنين. ويبقى القول، أن استمرار لبنان المقيم وصموده مرتبط بشكل فعلي بما يقدّمه لبنان المغترب، مفسراً بذلك سرّ صمود لبنان على أمل إن يعود جناح لبنان المقيم الى النهوض من كبوته من جديد ليُحلِّق لبنان الوطن بجناحيه المقيم والمغترب.

الكاتب: المهندس شفيق ملِك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal