تحركوا بإتجاه مجلس النواب!… غسان ريفي

تكثر الدعوات للنزول الى الشوارع والساحات للتعبير عن الغضب العارم من الأوضاع المعيشية والاجتماعية التي بلغت حدا مأساويا في لبنان، ومن عجز السلطة عن مواجهة الأزمات التي تتوالد يوما بعد يوم، وخصوصا جنون الدولار الذي لم يعد بالامكان لجمه بعدما فقد مصرف لبنان القدرة على التدخل إلا برفع سعر صيرفة، جراء نفاد السيولة النقدية بالعملة الأجنبية.

يلبي نفر قليل من اللبنانيين هذه الدعوات فيهرعون الى الشوارع ويقطعون الطرقات، فيما الأكثرية الساحقة تلتزم منازلها ولا تعطي آذانا صاغية للدعوات التي تصل الى حدود الاستجداء من قبل بعض المستفيدين، بهدف تنفيذ أجندة هنا أو توجيه رسالة هناك، أو تسجيل نقطة على هذا الفريق أو ذاك.

يقطع الغاضبون الطريق فيستهدفون الفقراء المتوجهين الى أماكن عملهم أو العائدين الى منازلهم، ويحبسونهم في سياراتهم التي تستنزف كميات من المحروقات بملايين الليرات بإنتظار أن يحن قطّاع الطرق الفقراء على السائقين المعدمين فيفتحون لهم الطريق بعد إقتناعهم بأن لا جدوى لتحرك من هذا النوع في هذا الظرف العصيب.

ربما يجسد الملتزمون منازلهم من المواطنين الحديث الشريف بأن “المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”، خصوصا أنهم سبق وتحركوا وملأوا الساحات والشوارع وهددوا أهل السلطة ومنعوهم من التحرك، من أجل زيادة ست دولارات على مجمل مكالمات الواتساب، وحينها كان الدولار بـ 1500 ليرة وأسعار المحروقات واللحوم والانترنت لا تتعدى الـ 25 ألف ليرة، بينما ومنذ أكثر من سنتين وسعر الدولار يتصاعد بلا هوادة ويسحب معه كل الأسعار بدون إستثناء حتى بلغ سعر كيلو اللحم مليون ليرة، وصفيحة البنزين أكثر من مليونيّ ليرة والحبل على الجرار، من دون أن يحرك أحد ساكنا أو يدعو لتحرك، أو يفجر ثورة تبين أنها كانت في 17 تشرين 2019 عبارة عن مؤامرة للبدء بمسيرة إنهيار البلد وسرقة أموال المودعين وهستيريا سعر صرف الدولار.

لا شك في أن الدعوة الى التحرك ضد السلطة بات لزوم ما لا يلزم، فلا رئيس جمهورية في قصر بعبدا، ولا حكومة فاعلة أصيلة، بل حكومة تصريف أعمال تقام الدنيا ولا تقعد كلما فكرت في الاجتماع لمعالجة بعض الملفات العالقة بما يخدم مصالح المواطنين، والدولة مفلسة، والانهيار المالي بلغ القعر، وحاكم مصرف لبنان يتأرجح بين القضاء المحلي والقضاء الأوروبي، والمصارف في نزاع مع القضاء يدفعها الى الاضراب الذي يشمل اليوم سلسلة من القطاعات في البلاد.

يمكن القول، إن العجز والشلل الكاملين يمتدان أفقيا على كل سلطات ومؤسسات وأجهزة الوطن، ولم يعد هناك من يستطيع الانقاذ، أو يمتلك القدرة عليه، باستثناء مجلس النواب الممتنع عن سابق تصور وتصميم عن إنتخاب رئيس للجمهورية يكون قادرا على إعادة إنتظام الحياة السياسية في البلاد وتشكيل حكومة فاعلة تستطيع وضع حد لهذا الانهيار.

واللافت حتى الآن، أن البلاد كلها في واد، والكتل النيابية ومن يقف وراءها من تيارات وأحزاب في واد آخر، فبالرغم من المآسي التي تدفع اللبنانيين الى الانتحار وتهدد بالمجاعة الحقيقية لخمسة ملايين شخص، ينقسم النواب على أنفسهم، ويتنافسون في تعطيل نصاب الجلسات، ويمعنون في الكيديات السياسية والأنانيات والنكد والقرف، ويقومون بالأمر وعكسه ويتحدثون بالشيء ونقيضه ويتخبطون في مواقفهم من دون خجل أو وجل مما يتسببون فيه، حيث تغيب المسؤولية الوطنية لمصلحة المكاسب السياسية التي لم تعد تنفع في ظل الانهيار الحاصل.

أمام هذا الواقع، فإن التحركات الشعبية في حال كتب لها أن تنطلق مجددا يفترض بها أن تسلك طريقا واحد هو مجلس النواب لدفع من يدعون تمثيل الناس الى الكف عن اللعب بمصير الوطن، والقيام بواجباتهم في إنتخاب رئيس للجمهورية لم يعد يختلف إثنان على أنه يشكل المدخل الوحيد للحل!..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal