ماذا يريد التيار الوطني الحر من حكومة ميقاتي؟!… غسان ريفي

لم يكن مستغربا التحرك الشعبي الذي شهدته بعض المناطق اللبنانية أمس وتركز في ساحة رياض الصلح قبالة السراي الحكومي، لا بل ربما تأخر كثيرا أمام الانهيار الكبير الذي حوّل اللبنانيين الى معدمين يفتقرون الى أبسط مقومات العيش الكريم.
اللافت، انه عندما كان الدولار 1500 ليرة والاسعار بمجملها ترتبط به، اجتاح اللبنانيون الشوارع والساحات عن بكرة أبيها في 17 تشرين الاول من العام 2019، رفضا لزيادة ست دولارات على مكالمات الواتساب، قبل ان ينكفأوا للتفرج على الدولار يحلق ويضرب ارقاما قياسية وصولا الى 140 ألفا مع هستيريا في الاسعار طالت كل مستلزمات الحياة اليومية للمواطنين.
في ظل هذه الازمات المتلاحقة التي ترخي بثقلها افقيا على مساحة الوطن، تحول قسم من اللبنانيين الى ثوار مناسبات، وجنّد آخرون انفسهم لتنفيذ بعض الاجندات وتوجيه الرسائل السياسية، فيما التزم السواد الاعظم التهدئة بعدما اقتنعوا بخطورة لعبة الشارع التي أيقنوا انها لم تكن في مصلحتهم.
لا يمكن لأي كان ان ينكر وجع العسكريين المتقاعدين أو أي قطاع من القطاعات الاخرى سواء المنتجة منها او المتقاعدة، لكن طريقة التحرك وجغرافيته التي تركزت أمام السراي الحكومي في ظل تحميل التيار الوطني الحر في بيان له الحكومة وحاكم مصرف لبنان مسؤولية ما اسماه “الجريمة التي ترتكب بحق اللبنانيين” ترك سلسلة من التساؤلات حول توقيت هذا التحرك واهدافه والرسالة المراد إيصالها منه، ولماذا كان هناك اصرار على اقتحام السراي الحكومي بهذه الطريقة التي دفعت القوى الامنية الى استخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين؟.
لا يخفى على أحد ان السلطة السياسية في لبنان لم تعد موجودة، فلا رئيس جمهورية في قصر بعبدا ولا حكومة فاعلة في السراي، بل حكومة تصريف أعمال تخضع لاستنسابية مصالح التيارات السياسية التي تتعامل معها على القطعة تارة دستورية وميثاقية وتارة أخرى غير شرعية، وكلما ارادت ان تجتمع لممارسة الحد الادنى من تصريف اعمال المواطنين تتعرض مع رئيسها لشتى أنواع الاستهدافات والاتهامات.
ويشكل التيار الوطني الحر رأس حربة في مواجهة الحكومة التي يبدو ان رئيسها نجيب ميقاتي يُربكه ويوقعه في سلسلة تناقضات لا يمكن لعاقل ان يقع فيها، ما يدل على حجم التخبط الذي يواجهه سواء على الصعيد الداخلي بفعل الخلافات ضمن التيار بين رئيسه جبران باسيل والنواب والقيادات والكوادر، او على الصعيد الوطني من خلال اخفاق باسيل في تسويق نفسه كمرشح لرئاسة الجمهورية.
واذا كان باسيل قد ناقض نفسه عندما طلب قبل أيام من الحكومة توقيع مرسوم التجنيس متهما رئيسها بالطائفية في الوقت الذي يعتبرها فيه غير ميثاقية وغير دستورية وغير شرعية ويجبر وزراء التيار على مقاطعة جلساتها ويقاطع حليفه حزب الله بسبب مشاركته فيها، فإن التيار الوطني الحر كان أكثر تناقضا امس، عندما حمل الحكومة مسؤولية ما يحصل كونها لا تقوم بواجباتها، ثم في الفقرة نفسها من البيان أكد انه ضد التشريع في مجلس النواب في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية وفي ظل حكومة فاقدة للشرعية وغير دستورية، فماذا يريد التيار؟ وما هذا التناقض والتخبط في آن؟ وكيف يحمّل حكومة غير دستورية مسؤولية ما يحصل في البلاد؟ وهل تصبح الحكومة شرعية عندما تقتضي المصلحة الباسيلية في اقرار مرسوم التجنيس او في تحميلها المسؤوليات لتوجيه الرسائل السياسية الى رئيسها، وتتحول الى غير شرعية عندما تجتمع لتلبية مطالب المرضى والمستشفيات والقطاع التربوي؟.
بالأمس، ربط كثير من المراقبين بين التحريض الطائفي الذي يمارسه باسيل وبين تأكيد التيار البرتقالي في بيانه انه لن يقف مكتوف الايدي تجاه الحكومة وبين التحركات الاحتجاجية التي ارادت اجتياح السراي الحكومي عن سابق تصور وتصميم، معتبرين انه كان الاجدر بالتيار ان يبادر الى تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية الذي يعلم القاصي والداني انه يشكل المدخل الوحيد للحل، ما يعني ان وجهة المتظاهرين لا بل كل اللبنانيين في المرحلة المقبلة من المفترض ان تكون مجلس النواب للضغط على ممثلي الشعب بضرورة انتخاب رئيس لانهاء الفراغ واعادة الحياة السياسية الى انتظامها.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal