في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرعى في السراي الحكومي حفل توقيع “الملحقين التعديليين” لاتفاقيتي الإستكشاف والانتاج في الرقعتين 4 و9، لمناسبة دخول “شركة قطر للطاقة” كشريكة مع “شركة توتال إنيرجيز” الفرنسية وشركة “إيني” الايطالية، وفي ظل التفاؤل الذي نتج من هذه الشراكة لجهة النتائج الايجابية التي يمكن أن تحققها وتضع لبنان ضمن خارطة الدول النفطية، كان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يحمل معول الهدم، ويفتش في مؤتمره الصحافي عمن نجا من عهد عمه ميشال عون، ليُجهز عليه إستهدافا وإتهاما وتشكيكا، إمعانا في تدمير البلد.
لم يعد مستغربا أن يلجأ باسيل الى هذا الاسلوب المدمر، كون هذا هو حال الخاسر الأكبر في المشهد السياسي والذي غالبا ما تسيطر عليه أوهاما خاصة، فيرفع السقف ويعادي الجميع ويذهب باتجاه خطوات إنتحارية أو تفجيرية.
من الواضح أن باسيل لم يقرأ المشهد السياسي بشكل صحيح، ولم يقتنع بالمتغيرات التي طرأت بعد إنتهاء العهد، حيث ما يزال يتحدث وكأنه رجل المرحلة القوي وبيضة القبان، وأنه يشكل بداية ونهاية الحلول، معتمدا خطابا أنانيا ضيقا لا يرى سوى مصلحته الشخصية التي بدأت “الهستيريا” التي تسيطر عليه بضربها، خصوصا أن مصلحته يجب أن تكون في تعاطيه الهادئ مع كل الأطراف وليس فتح الجبهات ضدهم ما يجعله معزولا من دون حليف، ويجعل التيارات السياسية المستهدفة منه تُشفق عليه ولا تستخدم حق الرد على الافتراءات التي ساقها باتجاهها ما يشير الى عدم إكتراث بما يقول.
لم يعد باسيل يمتلك سوى الخطاب الشعبوي الذي لا يخدم الحضور السياسي المطلوب، ولم يعد في الوقت نفسه يُقنع أكثرية اللبنانيين، خصوصا في ظل إستخدام النغمة ذاتها المتعلقة بالحكومة وشرعية وميثاقية إجتماعاتها ومحاولاتها مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية غير الموجود أصلا، حيث أثبت باسيل مرة جديدة أن ما أشار إليه الرئيس نجيب ميقاتي لجهة قول باسيل أن “ليس كل من صلب يده على وجهه هو مسيحي” كان صحيحا، كونه تحدث عن الميثاقية التي تؤكد عنصريته تجاه المسيحيين وتمييزهم بحسب الانتماء السياسي، بين (درجة أولى ينتمي حاملوها الى التيار الوطني الحر) و(درجة ثانية أو ثالثة ينتمى من يحملهما الى التيارات السياسية المسيحية الأخرى) لكن ربما غاب عن ذهن باسيل أن إجتماع الحكومة يضم ثلاثة موارنة وأرثوذكسي وكاثوليكي وأرمني وأقليات، ما يعني أن كل المذاهب المسيحية الممثلة في الحكومة كانت ممثلة، لكن باسيل يُصرّ على أن وجود سبعة وزراء مسيحيين ومنهم من هو محسوب على التيار الوطني الحر لا يؤمن ميثاقية إجتماع الحكومة.
وبدا من كلام باسيل عن رئاسة الجمهورية، وإصراره على الغمز من قناة حليفه حزب الله وإتهامه بفرض رئيس بالتخويف، وإستهداف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من دون أن يسميه، أن الاجتماع الذي عقده مع وفد الحزب الاسبوع الفائت في ميرنا الشالوحي كانت نتيجته “صفر توافق”، وبالتالي فإن العلاقة بين الحليفين متجهة الى مزيد من التدهور ما يضع تفاهم مار مخايل في مهب الريح.
وأسوأ ما تضمنه المؤتمر الصحافي هو هجوم باسيل المباشر على قائد الجيش العماد جوزاف عون وللمرة الأولى، ما يُظهر حجم الخوف الذي ينتابه من إمكانية وصوله الى رئاسة الجمهورية، لكن هذا الخوف لا يبرر لباسيل إستهداف رأس المؤسسة العسكرية التي ما تزال رغم كل الظروف المأساوية صامدة وتعمل على حفظ أمن وإستقرار البلاد، إلا أن إذا كان ما قاله يأتي في سياق المخطط التدميري الذي يعمل على تنفيذه.
أما تهديد باسيل بالترشح لرئاسة الجمهورية، فبلغ مداه من التندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إعتبر العديد من المغردين أن “باسيل يعلم أن الشعب اللبناني لا يمكن أن يتحمله ولو ليوم واحد، وأن البلاد ستزول عن الخارطة في حال وصل الى رئاسة الجمهورية، لذلك فإنه يقول إما أن تنتخبوا رئيسا ينفذ الأجندة التي أرسمها له أو أن أقدم ترشيحي!..”
Related Posts