تتدحرج كرة الأزمات بشكل سريع، على وقع انهيار مؤسسات الدولة وتعطل الحياة السياسية وتفاقم المآسي الاجتماعية والانسانية، في وقت ما تزال فيه بعض الجهات تسعى الى إفتعال أحداث تحاكي الغرائز بهدف الى استدراج اللبنانيين الى الشارع للاحتجاج على الواقع المزري لـ”يكتمل النقل بالزعرور” ويدخل لبنان في فوضى إما أن تدفع نحو الخراب أو أن تساعد على تحقيق بعض الاهداف السياسية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية.
في الملف الرئاسي، ما تزال كل الطرق مسدودة، فاللقاء بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل انتهى الى لا توافق، حيث اقفل باسيل في وجه وفد الحزب كل الثغرات التي حاول فتحها في جدار رفضه ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وصولا الى طلب باسيل وقف الحديث في الملف الرئاسي طالما لا يوجد هناك لدى حزب الله مرشح غير فرنجية.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه المعلومات أن حزب الله لم يتمكن من إقناع رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بفرنجية، والذي بادر الى طرح ثلاثة أسماء للتوافق، يبدو ان البطريرك الراعي الذي التقى باسيل وفرنجية كل منهما بمفرده في الصرح البطريركي في بكركي لم يتوصل أيضا الى أي قاسم مشترك للتوافق بينهما في ظل تمسك باسيل برفض فرنجية، واصرار الاخير على انه قادرا على ان يكون رئيسا توافقيا، ولا مانع لديه في أن يُنتخب بالنصف زائدا واحدا طالما أن النصاب مكتملا بالثلثين.
في الملف القضائي حدث ولا حرج في الانهيار المدوي، ومهما كانت الاسباب التي دفعت الى اطلاق الموقوفين بملف انفجار مرفأ بيروت سواء كانت بضغط أميركي او بقرار سياسي او بتصرف كيدي، ومهما كانت المواقف من تصرفات القاضي طارق البيطار، فإنه في النهاية “من ضرب ضرب ومن هرب هرب”، والموقوفون باتوا خارج السجن ومنهم من وصل الى أميركا والقضية عادت الى المربع الاول بعد سنتين وخمسة أشهر من الاخذ والرد والمراجعات والطعون وكف اليد والتنحي والارتياب المشروع ومئات الاعتصامات والتحركات من قبل اهالي الشهداء الذين يُعتبرون الخاسر الاكبر في كل ما حصل، وهم عبّروا أمس عن نموذج من الغضب الآتي أمام وزارة العدل التي شهدت توترا كبيرا عند مدخلها وضمن مكتب الوزير هنري خوري.
في غضون ذلك أخفق مجلس القضاء الاعلى في عقد اجتماع يوم أمس بعد تغيب اكثرية اعضائه، ما يشير الى محاولات لإمكانية تبريد الاجواء تمهيدا لمعالجة تداعيات ما حصل يوم الاثنين المقبل سواء في الصراع المحموم والمستمر بين القاضيين غسان عويدات وطارق البيطار، او في قانونية الافراج عن الموقوفين، أو في إمكانية تراجع عويدات عن قراراته تجاه البيطار.
على الصعيد الاجتماعي، فالامور تزداد تأزما، فالدولار نحو الستين الفا وأسعار الادوية على البورصة والمحروقات تشعل جيوب اللبنانيين، والغلاء يضرب بجنون، والمآسي والمعاناة تمتد أفقيا ولم يعد بالامكان تحمل تداعياتها.
وبين كل تلك الازمات، مشاهد تنذر بخطر كبير.. شلل في المؤسسات، انقسام في القضاء، تهديد باقالة قائد الجيش من قبل وزير الدفاع، تعطيل لحكومة تصريف الاعمال ومنعها من القيام بواجباتها تجاه الناس، غياب الحوار، قطع طرقات بشكل عشوائي، اقتحامات لوزارة العدل، تضارب بين نواب وبين مرافقي وزير العدل، اعتداء على عنصر في مكافحة الشغب، تنامي أعمال السرقة والسلب وتصفية الحسابات والاعتداءات، كل ذلك ينذر بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، فهل يكون كل ذلك مقدمة لادخال لبنان في فوضى عارمة قد نعلم كيف تبدأ، لكن في حال لم تنته سريعا بانتخاب رئيس للجمهورية وإنتظام الحياة السياسية، لا يمكن لأحد أن يتكهن بتداعياتها الكارثية التي يمكن أن تحل على لبنان.
Related Posts