كثيرة هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها على الجلسة النيابية الأولى في العام 2023 لانتخاب رئيس للجمهورية وهي حملت الرقم (11) إلا أن الفاقع فيها كان هذا الانزلاق المخيف في التصويت الذي حوّل المجلس الى “حارة كل مين إيدو إلو” باستثناء الأصوات التي صبت للورقة البيضاء(37) والنائب ميشال معوض (34).
تبيّن أن أكثر من 55 نائبا إجتهدوا في إعتماد أسماء أو مصطلحات أو شعارات قديمة وجديدة، بهدف توجيه رسائل سياسية في إتجاهات مختلفة، لكنها أظهرت في الوقت مدى إستخفافهم بهذا الاستحقاق ما دفع الرئيس بري الى مغادرة قاعة المجلس بمجرد إعلانه النتائج من دون يحدد موعدا للجلسة المقبلة كما جرت العادة، في حين لجأ النائبان ملحم خلف ونجاة عون الى الاعتصام داخل القاعة إحتجاجا على ما حصل وقد تضامن معهما عدد من النواب المستقلين.
بالنظر الى تلك الملاحظات يتبين ما يلي:
أولا: تراجع عدد الأصوات التي نالها النائب ميشال معوض الى 34 صوتا بينما كان هذا العدد يتأرجح في جلسات سابقة على حافة الـ40، ما أكد أن كل الدعم الذي حاولت القوات اللبنانية إظهاره له لم يجد نفعا، لا بل ترجم بإحجام بعض النواب عن التصويت له، كما أن الحماس الذي بدا عليه في الأيام الأخيرة وترجمه برفع السقف السياسي فضلا عن الجهد الذي بذله في الإحتجاجات على توقيف الناشط وليام نون، كل ذلك أجهضه عدد الأصوات الذي يتراجع مع كل جلسة، ما يعيد الأمور الى مربع إعادة دراسة جدية هذا الترشيح الذي يضعف وهجه ويكاد يتحول الى عبء حقيقي على الأطراف الداعمة له والتي يرى البعض أن إيحائها بضرورة التفتيش عن الخطة (ب) ليس مجرد شعار بل بات أكثر من ضرورة.
ثانيا: حفاظ الورقة البيضاء على ماء وجهها بـ 37 صوتا، بعد خروج التيار الوطني الحر من التحالف الذي يجتمع على التصويت لها نكاية بحزب الله، وتمايز غير مبرر من قبل النائب فيصل كرامي الذي حاول إقناع عدد من النواب بالتصويت لـ”التوافق”.
ثالثا: الصفعة التي تلقاها رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل الذي أعطى توجيهات الى أعضاء التكتل قبل الجلسة بالتصويت لـ”الأولويات الرئاسية” التي نالت 7 أصوات فقط من أصل 15 نائبا ينتمون الى التكتل حضروا الجلسة، ما يؤكد أن حجم باسيل في التكتل لم يعد يتعدى 11 نائبا إذا ما أضيف الى النواب السبعة غسان عطالله وسليم عون وندى البستاني وإدغار طرابلسي الذين غابوا عن الجلسة أمس.
رابعا: بدا الانقسام واضحا في التيار الوطني الحر الذي صوّت نوابه بشكل عشوائي، خصوصا أن الاجتماع الأخير لمجلسه السياسي والذي إستمر ست ساعات لم يثمر عن توافق على إسم محدد يصار الى إعتماده، حيث سيطر التجاذب حول الأسماء التي يحاول النائب باسيل طرحها وبين إصرار بعض النواب على ضرورة طرح زملاء لهم قادرين على الترشح، لذلك فقد توزعت الأصوات البرتقالية بين “الأولويات الرئاسية” إلتزاما بتوجيهات باسيل، وبين أسماء وشعارات أخرى منها صوتان لزياد بارود خلافا لرغبة باسيل الذي بات يدرك أن مهمته تصعب رئاسيا على صعيد الترشح الشخصي، وسياسيا على صعيد السيطرة على نواب تياره.
خامسا: موقف كتلة اللقاء الديمقراطي الذي أعلنه النائب هادي أبو الحسن بالتوجه نحو مقاطعة الجلسات إذا إستمرت المراوحة القاتلة، وما تلا ذلك من لقاء عقد بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووفد من حزب الله مساء أمس في كليمنصوه للبحث في الاستحقاق الرئاسي، وهو لقاء قد ينتج عنه إمكانية فتح ثغرة في الجدار عبر الانتقال الى الخطة (ب).
سادسا: تماسك لقاء الاعتدال الوطني ونجاحه في جذب أصوات إضافية لـ”لبنان الجديد” الذي حصل على 14 صوتا، وذلك في رسالة واضحة الى أن كتلة الأصوات هذه، يمكن أن تتحول الى “بيضة قبان” في أي توافق يمكن أن يبصر النور لاحقا.
أعطت الجلسة الحادية عشرة إنطباعا سيئا جدا عن الواقع النيابي وتعاطيه مع الاستحقاق الرئاسي، لكنها أنتجت حراكا تمثل بالاعتصام النيابي في قاعة المجلس والذي شهد ليلا توافد متضامنين الى ساحة النجمة، فهل يرمي هذا الاعتصام حجرا في المياه الراكدة؟، أم يبقى ضمن البروباغندا الاعلامية؟..
Related Posts