أطلق رئيس المجلس النيابي صفارة بدء المعركة الرئاسية، وعقد أول جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية اللبنانية يوم الخميس في 29 أيلول الفائت.
تحدّد بدء المعركة، ولا ندري متى تنتهي!!!
حزمة متعددة الألوان تحمل في طياتها ملفات سياسية هامة، مختلفة في قوة درجاتها، لتأخذ مكاناً لها على مسرح التشريح البرلماني، أبرزها تشكيل الوزارة وهو مرهون بالتجاذبات السياسية القائمة.
بالرغم من أن جميع الكتل السياسية كانت متفائلة باقتراب ساعة الصفر لإعلان “حكومة كاملة الأوصاف”، إلا أن رئيس المجلس النيابي أتقن اللعبة، فصوّب سهامه دون تردّد إلى قصر بعبدا وسعادة الصهر العزيز، ليقصّر الفترة الزمنية المتبقية للتداول في التغييرات الوزارية، وأوقف المزيد من طلب الحصص والمكاسب السياسية .
أربك الكتل جميعها فسارع كل فريق ليرتّب أوراقه أمام هذا الاستحقاق الكبير.
أما بقية الشعب اللبناني المحاصر من كل صوب، فقد تغلّب عليه وقع سياسة الفاسدين، دون تمييز فقهر على أمره، وطاله من رذاذ هذا الشيء قدر كبير من لهيب هذه المعركة.
أهمها تداعيات تحرير سعر صرف الدولار الجمركي رسمياً، يتبعه تعديل سعر الدولار بدلاً من 1507 ل.ل. إلى 15.000 ل.ل. للدولار الواحد، أي عشرة أضعاف القيمة المتداولة و على الشعب تحمّل هذا العبء الجديد.
هذا الأمر دخل خلسة إلى جسم الموازنة العامة التي أقرّها المجلس النيابي بطرق ملتوية، نسج خيوطها معالي وزير المال، ببيان مقتضب لم تفهم حيثياته و مازال يحتاج إلى توضيح من قبله أو من مجلس الوزراء مجتمعاً.
في هذا السياق، من تابع سابقاً مجريات جلسات الثقة للموازنة العامة في المجلس، يستنتج في حينه أنها لن تمر.
غادر الجميع بقرار على رفضها “بالصوت والصورة”، إيعازاً منهم بوقوفهم خلف الشعب اللبناني بأسره.
في اليوم التالي حدثت المعجزة بإقرارها بمجموع 63 صوتاً وافق على الموازنة وامتناع 6 نواب عن التصويت.
في ظلّ هذا النفاق السياسي، تمكّن هذا الفريق أن يصوّر لنا الحدث وكأنه ضرورة لا بد منه، التفضيل بين السيئ والأسوأ. ويترك لنا ما خطّطوا له منذ البداية أي منذ تركيب الموازنة العامة ومكوناتها تاركين من ورائهم بنوداً هامة، كذكر الواردات والمصاريف، كذلك العجز المالي وتقدير النمو الاقتصادي وعدم ذكر الإصلاحات اللازمة والمطلوبة من IMF، بخصوص الإصلاح المالي وإصلاح ما يلزم في وزارة الطاقة.
إن فذلكة الموازنة في كل طروحاتها لم تكن موضوعية، وتأخرت في صدورها بكل المعايير.
بالعودة إلى مشهد يوم الخميس، الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للدولة. ماذا نرى كشعب لبناني مخطوف ومرهون بالوكالة منذ سنوات ؟
فلنبدأ بتاريخ أقرب إلينا للواقع وهو 17 تشرين يوم اندلاع الثورة، ثورة على النظام أوما يسمىّ من قبل الساسة حين يتحدثون فيما بينهم “بالمنظومة” دون خجل أو وجل.
الثورة وإن تغيّر اسمها مع الأيام إلى “انتفاضة”، طالبت بانتخاب نواب أحرار مستقلين، ليغيروا مجرى الحكم الفاسد في لبنان.
وجاء الاستحقاق النيابي مغايراً بكتل سياسية متعددة الألوان والأفكار، أشبه بمجلس عديم في قوى الاتزان، وهذا ما حدث فعلاً، بالجلسة الأولى له بالمجلس ، التي عكست صورة ضبابية قاتمة، لا تبشّر ببزوغ فجر جديد للبنان.
جاءت الصورة مغايرة تماماً، الحضور 122 نائباً، 6 نواب تغيبوا.
كتلة موزونة معروفة الحجم والاسم ، منقسمة على نفسها ولديها أكثر من مرشح للرئاسة بداخلها ، لم تعلن أسماؤهم، أدلت بمجموع أصوات 63 ورقة بيضاء، ديمقراطية وشرعية بمضمونها…وهي رسالة سياسية ، هذه الكتلة أرادت أن تعلن إلى الخارج قبل الداخل انها الفريق الأقوى المتماسك في المجلس وتملك هذا الحجم علماً ان غالبيتها من فريق واحد من 8 آذار أي فريق الممانعة.
كتلة ثانية اتفقت على كلمة سر “لبنان” نالت 10 أصوات، وتعدّ ملغاة.
الكتلة الثالثة نالت على 11 صوت ومرشحها “سليم إده”، لا غبار عليه، مقيم ويعمل خارج لبنان، وحسب تصريحاته فهو ليس طامحاً.
نائبان مستقلان، صوت لنهج رشيد كرامي، وصوت آخر باسم الشابة الإيرانية “مهسا أميني”، 22عاماً، التي قتلت على أيدي شرطة الأخلاق في إيران، وهما ملغيان.
آخر الكتل أعطت 36 صوتا للنائب ميشال معوض.
أخجل القول انني سمعت الكثير من النواب بعد الجلسة، يرددون أنها بمثابة “بروفا”، وكذلك معرفة الأحجام للكتل النيابية.
أين نحن من الجدية في انتخاب رئيس للدولة؟ لا أريد الخوض في توصيف الجلسة لأنه يسيئ كثيراً إلى شعب حضاري عرف بالحرية، الديمقراطية والانفتاح للداخل والخارج.
إلى جميع النواب الأحرار، انكم تستطيعون تحقيق التغيير الحقيقي في انتخاب الرئيس العتيد. أعيدوا حساباتكم، تقاربوا وتدبروا أموركم، ففي الاتحاد قوة ولنا أمل ولو قليل أن تحدثوا التغيير، ككتل تتقارب معاً، سياسياً وديمقراطياً لأجل لبنان الوطن.
إياكم والشغور الرئاسي كما حدث لنا قبل العهد الذي قرب رحيله “الإصلاح والتغيير”.
عاش لبنان… حراً، سيداً ومستقلاً.
بقلم: المهندس شفيق ملك
المصدر: سفير الشمال
Related Posts