لبنان يبحث عن رئيس.. والمواصفات تنهمر كالمطر!… شفيق ملك

يخوض السياسيون في الوطن، معركة لا قواعد وحدود لها، تعوزها الثوابت الوطنية، وإحداثيات معلومة خارج الأطر المحيطة بنا إقليمياً ودولياً.

تحاول بعض التكتلات النيابية، منها التغييريين الجدد أن يكون لها مخاض معركة الرئاسة، باكورة إنتاج حديث متطوّر ندر أن مورس في لبنان، ينبثق عنها رئيساً “صنع في لبنان”. في هذا المسار أيضاً توجّه عدد من الأحزاب اللبنانية المعروفة، متقدماً عن غيره وسلك هذا الاتجاه، إنما كله دون نتائج ملموسة ومعلنة عنها حتى الآن.

بداية جيدة ينقصها الصوت الراجح إسقاطه في صندوق الاقتراع، يوم الاستحقاق تحت قبة البرلمان والمجلس الجديد، إن اكتمل نصاب الجلسة.

أهم ما في هذا المخاض هو توحيد الكلمة بين هذه التكتلات، لأن الخصم السياسي المرهون بالوكالة في لبنان، تاريخه يشهد له عن إجماع في الكلمة حين التصويت.

أضف عامل رئيسي ومؤثر، الزمن والمواقيت الثابتة المرتبطة ببنود الدستور والتي لا يمكن تجاوزها لا سيما نتجاوز الأسبوع الأول من شهر أيلول.

نعم بتاريخ 30/31 أكتوبر 2022 هو يوم بدء الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا ورحيل ساكنه حسب الدستور.

الوقت الذي يفصلنا عنه ليس مترفاً، المجلس النيابي يتحول إلى هيئة ناخبة قبل عشرة أيام من نهاية المهلة، أي ابتداء من 21 أكتوبر، وابتداء من هذا التاريخ لا يحتاج إلى دعوة من رئيس المجلس.

علماً أن جلسة الانتخاب الأولى يجب أن تكون قبل 30 يوم من نهاية المهلة أي خلال شهر أيلول. في هذا الزمن المتبقي المعقّد بسبب ما تبقى من أمور أساسية، لم ترق الطبقة السياسية اللبنانية إلى حلّها، أبرزها تشكيل الوزارة والوصول إلى نتيجة مقبولة لدى الأطراف المتناحرة وفك رموزها لتبصر الوزارة الجديدة النور وتفاجئ الجمهور اللبناني المتعطّش لتأليفها.

الأمور المعلّقة والمتعلّقة بطلبات المجتمع الدولي، وصندوق النقد الدولي هي أمور لا بد من تنفيذها، إنما تحتاج جميعها إلى تشريع وجلسات نيابية تسبقها مناقشتها والتصويت لها بالمجلس.

هل من الممكن إنجاز كل هذه المسائل ونسابق الزمن؟

لست متفائلاً في ظل ما يجري من اجتهادات دستورية مختلفة ومبارزات بين الأطراف السياسية المتناحرة. على جميع الفئات السياسية وضع الأنانية جانباً، رصّ الصفوف والعمل لهدف واحد وهو إنجاح ولادة الجمهورية الجديدة ليترأسها رئيس جامع.

ليطوى عهد أزفت نهايته، لا نريد وصفه سوى عذاب مستمر لشعبه، مولدات الدولة انطفأت جميعها، بدون كهرباء، شحّ في المياه، حتى الرغيف أصابه الانقطاع، العدالة في سبات عميق، التعليم متعثّر، الاستشفاء أصبح استجداءً، وكثير من الأمور الإدارية والخدمات الانسانية لم تلق لها أذن صاغية.

نأتي إلى أعجوبة جديدة ظهرت مؤخراً على كل المستويات دون تمييز، المواصفات المطلوبة، أي مواصفات الرئيس العتيد.

هذا المشهد السوريالي أعادني إلى الوراء سنين عدة، أشبه بطالب يتمحص مقدمة إبن خلدون أو المدينة الفاضلة لافلاطون. جلّ ما نحتاجه هو رئيس دولة، أب لجميع الأسرة اللبنانية بكل مكوناتها وطوائفها دون تمييز، يحتكم إلى الدستور اللبناني ومؤتمن على مؤتمر الطائف وتطبيق بنوده، والذي أنهى خمسة عشر سنة من الاقتتال الدامي على الساحة اللبنانية وبموافقة أمراء الحرب جميعهم.

لبنان أحد مؤسسي هيئة الأمم المتحدة وساهم في سنّ قراراتها وتطبيقها، مرتبط أيضاً عربياً بجامعة الدول العربية منذ تأسيسها، بما فيها من قرارات مجمع عليها، أخصّها قضية فلسطين المحقّة ولا رجوع عنها، عدونا المشترك عربياً، المتاخم لحدودنا الجنوبية إسرائيل. هذه جميعها مسلمات لا تحتاج إلى توصيف.

نريد رئيساً يمتاز بنظافة الكفّ، يحارب الفساد في جميع ألوانه وصوره. أن يكون حكماً وليس طرفاً لأي مجموعة سياسية، بعيداً عن الاصطفاف السياسي الإقليمي والدولي معاً، ومتسلحاً بسيادة سياج الوطن.

كفى مواصفات… تتلى من هنا وهناك لا تؤتي ثمارها، سوى أن المجلس الجديد يذهب إلى انتخاب “رئيس دولة” وليس إلى طرح مناقصة مشاريع للحكومة.

لنرتق أولاً، ونحترم الدستور دون العبث في بنوده تفسيراً غبّ الطلب، وليعمل الجميع في هذا الاتجاه، أي لبننة الرئيس وصيانة الدستور.

أخيراً لبنان لا يمكن سلخه عن محيطه وما يدور حوله في الإقليم والحروب الطاحنة في كل مكان وخصوصاً المتعلقة بحروب النفط والغاز.

إنما بتعقّل وتدبّر بالأمور يستطيع لبنان أن يخرج من كل هذه التطورات المعقدة، بحكمة ورؤيا سياسية واضحة، دون إحراج أو ضرر.

وعلى ساسة لبنان التوقف عن الرهان على متغيرات دولية أو إقليمية، بما في ذلك مؤتمر فيينا النووي ومستجداته، هذه قضية قديمة معقدة ترجع أحداثها إلى عام 2015، فكّ الارتباط عنها والخروج منها كورقة لاعبة لأي فريق هو أمر أقرب إلى الواقع اللبناني.

أمّا عن ترسيم الحدود البحرية والمفاوض الأمريكي أموس هوكشتاين المتوقع زيارته إلى لبنان نهاية الاسبوع، وفي جعبته أجوبة لنتائج محادثات سابقة تخص جميع أطراف التفاوض. على أمل أن تسير هذه المفاوضات بشكل ناجح، وتأخذ مسارها الطبيعي وظروفه السياسية دون التأثيرات الخارجية عليها من أي طرف. فلننتظر، لأن هذا الملف هو الأولوية اللبنانية.

لنأمل خيراً وليعمل السعاة من النواب والساسة في لبنان في إنجاح هذا الطرح الرئاسي، وإنقاذ شعب، ثمانين بالمائة منه أصبح متسولاً يعتمد على الإعانات من المجتمع الدولي والعربي.

كفانا تخاصماً ولنتحّد جميعاً، لنشهد ولادة غد مشرق جديد.

عاش لبنان… حراً سيداً مستقلاً..

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال  

           


Related Posts


   

Post Author: SafirAlChamal