لبنان يبقى أسير التنبؤات والتكهنات التي تصدر عن قمم الأقطاب والاجتماعات الدولية هنا وهناك.
يعتقد بعض الساسة في لبنان أن الانفراج عن مؤتمر فيينَّا قرُبَ والحل لمشاكلنا القائمة قادم إلينا، إن اجتماع سوتشي في 5 آب 2022 الذي ضمَّ بوتين مع نظيره التركي أردوغان قد يخرج بنتائج أخرى تدفع كلاهما إلى حل إحدى عُقَد مسار الترسيم البحري تحت مظلة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي أنِسَ بوجوده مطار بيروت لتعدد زياراته المكوكية دون الوصول إلى إبرام الاتفاق المنشود.
مؤتمر فِيينَّا ضبابي الصورة بالرغم من التفاؤل الذي تسرّب عنه بالأمس وقمة سوتشي لم تكن إلا ملحقاً لقمة طهران السابقة بتغييب الرئيس الإيراني عنها.
لا ننس أن روسيا لديها مصالحها الخاصة واهتمام كبير بترسيم الحدود البحرية ولديها شركة روسية للتنقيب عن النفط والغاز كشركة توتال الفرنسية ومثيلتها الشركة الإيطالية.
الوضع السياسي اللبناني ما زال مأزوماً منذ فترة طويلة ولبنان يتفاوض حالياً مع العدو الإسرائيلي برعاية دولية بوجود الوسيط الأميركي. تأليف الوزارة في مأزق آخر ولا يوجد له حل في الأفق القريب.
المعيب في المشهد السياسي اللبناني أن الرؤساء الثلاثة حتى تاريخه لم يتمكنوا من إيجاد صيغة موحدة بتقريب وجهات النظر والوصول الى حل في تأليف الحكومة وذلك لأهميتها في متابعة المجتمع الدولي وتأمين الشروط المطلوبة من البنك الدولي. كذلك في الوضع الداخلي اللبناني لعدم استمرار تقويض أركان الدولة كلياً والبدء في الإصلاح الشامل المطلوب من ضمنها: الإصلاح الإداري، الأمن الغذائي، التعليم، الاستشفاء، ملف الطاقة (إحياء الهيئة الناظمة للكهرباء).
القضاء اهمه ملف المحقق العدلي المتوقف لاستكمال التحقيق في قضية المرفأ في بيروت المنكوبة، ليرسم في ذاكرتنا باخرة الموت روسوس التي أضَلَّ طريقها العابثون والمجهولو الاسم حتى الآن فكان مصيرها الرسو الاجباري في قاع مرفأ بيروت وذكرى 4 آب شاهد عيان لمرور سنتين على الانفجار الكبير المدمر دون معرفة الأسباب حتى الآن.
آموس هوكشتاين لوحده بعصا سحرية استطاع أن يُقَرِّب ويجمع الثلاثة رؤساء بسهولة على طاولة واحدة في قصر بعبدا واجراء ما يلزم من اجتماعات رسمية بخصوص الترسيم البحري، بالرغم من الجو القائم بتبادل الشتائم والمنازعات السياسية ما بين التيار الوطني الحر ودولة رئيس الحكومة المكلف.
أظهر المفاوض الأمريكي بحنكته أمام المجتمع الدولي أن جميع أركان الحكومة في لبنان على مستوى عال من التفاهم والانفاق بما يخص المسار التفاوضي بين الدولتين.
عند عتبة هذه المسرحية للاستقبال غير المنظور للمفاوض الأمريكي لم يبق الا ان يقام على شرفه حفل تكريم في وسط مدينة بيروت (Down Town ) لتكتمل الصورة المهينة لهذا العهد في أيامه الأخيرة.
تحت شعار حرب المُسيَّرات غير الحربية (The Drones) والتي حلَّقت فوق المنصة للباخرة اليونانية للتنقيب النفط والغاز في أرض فلسطين المحتلة. الشعارات والخطب النارية التي أطلقت من قبل السياسيين في لبنان من لون سياسي واحد ظنَّا منهم انها تُمثّل عامل ضغط على الجانب الإسرائيلي والإسراع في مسار المفاوضات غير المباشرة. المفاوض الأميركي يتنقل في أروقة المجالس اللبنانية متفائلاّ، يختصر بيانه في قصر بعبدا بكلمات قليلة، الجميع متفق، سير المفاوضات جيد، سأنقل الاتفاق الذي توصلنا اليه اليوم الى الجانب الإسرائيلي والرد سيأتينا خلال الأيام القادمة دون تحديد.
في الجانب المقابل العدو الإسرائيلي ذو الحنكة العدوانية استطاع نقل الأنظار التفاوضية الى مكان آخر بتوقفه عن البحث والتنقيب في حقل كاريش، واظهر بكل دهاء أنه ليس مستعجلاً في سير المفاوضات، وأعلن بدء معركة الانتخابات ووضع الحكومة المستقيلة داخل الكنيسيت. ذهب بعيداً بعدم اكتراثه بالمفاوضات فأقدم على اغتيال قادة من الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، واعتقال عشرين عنصرا منهم، والطيران الإسرائيلي يقصف القطاع دون رحمة أمام المجتمع الدولي والإقليمي، والجميع بصمت رهيب. بدهائه انتقل الى مواضيع أخرى ساخنة ليس لها علاقة بالترسيم البحري بين الدولتين لبنان وإسرائيل.
الجانب الفلسطيني انتفض في غزة، أطلق سبعمائة صاروخ على كافة الأراضي المحتلة بكرامة وعزة نفس، هذه الصواريخ لم تمنع سقوط واحد واربعين شهيداً، بينهم خمسة عشر طفلاً، وعدد كبير من الجرحى مع تدمير بعض الممتلكات الخاصة وهدم جانب من البنى التحتية في القطاع.
إنَّ معركة قطاع غزة لن تستمر طويلاً وتبدو على أفول. صدر بيان بموافقة الطرفين المتحاربين على توقف القتال برعاية وجهود مصرية، باشتراط إسرائيل إبعاد إيران وحزب الله عن الملف في قطاع غزة، والافراج عن المقاتلين من عناصر الجهاد الإسلامي لدى إسرائيل.
يبدو الآن أن الأمور بقطاع غزة الى تهدئة والإسرائيلي يدرس إعادة تموضعه والرد على مطالب لبنان. الكرة الآن بيد المفاوض الأميركي والجانب الإسرائيلي، ومن يدري متى تردنا الأجوبة عسى ولعل خلال الأسابيع القادمة.
الوطن مرتهن بالوكالة، يمر بأبشع مرحلة في التاريخ المعاصر: سياسيون يكذبون على الشعب كل يوم، مواقفهم السياسية أضحت اشبه بجلدة الحرباء ((The Chameleon المتغيرة الألوان حسب طبيعة الأغصان الدانية. فاسدون يحكمون ولم يترك للشعب اللبناني أي خيار سوى الأمل والانتظار.
هكذا أُسدِل الستار على زيارة آموس هوكشتاين لبنان تحت ظل نتائج مُعَلَّقة.
إسرائيل تفرض تأخير الترسيم الى ما بعد انتخابات الكنيست، جميع الاحتمالات واردة في ظل الازمة المستشرية في لبنان وما يجري من احداث مفتعلة في قطاع غزة.
يقول الزعيم الراحل نيلسون مانديلا:
“الفاسدون لا يبنون وطنا، انما يبنون ذاتهم على حساب أوطانهم ويفسدون الأوطان”
عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً …….
Related Posts