إنتخابات أيار.. لبنان الى أين؟… غسان ريفي

أفرزت الانتخابات النيابية واقعا سياسيا جديدا على الساحة اللبنانية، أبرزها خسارة وجوه سياسية تقليدية محسوبة على قوى 8 آذار، ونجاح ثورة 17 تشرين ومجتمعها المدني والتغييريين في حجز عدد لا بأس به من المقاعد، فضلا عن تقدم قوى سياسية على حساب أخرى، وفوز أكثر من 20 نائبا مستقلا.

في الشكل، فإن هذه الانتخابات كسرت أحادية التمثيل السياسي المسيطر على مجلس النواب أقله منذ العام 2005، وساهمت في إحداث خروقات نوعية تمثلت بمفاجآت وصدمات وصفعات سياسية لأحزاب وقوى وشخصيات وازنة، الأمر الذي ترجم تنوعا واضحا في تركيبة المجلس الذي من المفترض أن يتسلم مهامه رسميا في 21 أيار الجاري.

أما في المضمون، فإن هذا التنوع المعطوف على تنافس بعض القوى في إعلان فوزها الكاسح وحصولها على الأكثرية النيابية، فضلا عن السباق المحموم على رفع سقوف الخطابات والمواقف السياسية، قد لا يبشر بالخير ولا هو في مصلحة أحد، لكونه يضعنا أمام صورة طبق الأصل للمشهد العراقي والتي لا يريد أحد من اللبنانيين الوصول إليها، خصوصا أن لبنان المنهار إقتصاديا وإجتماعيا والذي يواجه جنون الدولار وخطر الفقر والجوع والغارق في الأزمات المتلاحقة، لا يحتمل مزيدا من الصراعات والتوترات السياسية التي قد تنعكس تعطيلا للمؤسسات الدستورية وتؤدي الى مزيد من الشلل، والاخفاق مع معالجة تداعيات الانهيار ما يضع لبنان أمام خطر الارتطام الكبير مجددا.

لا شك في أن كثيرا من التصريحات التي صدرت بعد إعلان نتائج الانتخابات من شأنها أن تحول مجلس النواب الى حلبة للصراع والقتال، وليس مساحة للحوار والتشريع وإقرار القوانين لمصلحة الشعب اللبناني، خصوصا أن الأجواء التحريضية المتسارعة، توحي بعدم القدرة على التوافق والوصول الى قواسم مشتركة حول الاستحقاقات وفي مقدمها إنتخاب رئيس لمجلس النواب في ظل رفض مطلق من الأحزاب المعارضة وكذلك القوى الثورية والتغييرية وعدد من المستقلين لاعادة إنتخاب الرئيس نبيه بري، الأمر الذي سيعطل إمكانية دعوة الرئيس ميشال عون الى إستشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة، وربما يصل الأمر الى الاستحقاق الرئاسي وعدم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، أو ربما يشهد كل إستحقاق خلافات وصراعات وإصطفافات، فضلا عن الانقسام حول بعض القضايا الاستراتيجية التي تتجاوز حدود لبنان، ما قد يضع البلاد على فوهة بركان لا أحد يمكن أن يتكهن بتداعياته الكارثية في حال أدى الضغط المتزايد عليه الى الانفجار.

يمكن القول، إن كل الأحاديث الجارية اليوم حول إنتصارات أو أكثريات ما تزال وهمية، أو ربما سابقة لأوانها، خصوصا أن الاتصالات تجري على قدم وساق لانشاء التكتلات النيابية التي من شأنها أن تساهم في تظهير الصورة الحقيقية لمجلس النواب وموازين القوى فيه، علما أن القوى الثورية والتغييرية ليست على وفاق مع القوى السياسية المعارضة لا سيما القوات اللبنانية التي أخفقت قبل الانتخابات في جمع هذه القوى تحت مظلتها وخاضت خلالها معارك ضارية ضد بعض مرشحيها، فضلا عن تباينات في وجهات نظر التغييريين من مسائل وطنية مختلفة، في حين أن الاطار النيابي لقوى 8 آذار ما يزال متماسكا ما يجعله أفعل وإن لم يمتلك الأكثرية بالنصف زائدا واحدا، لكنه قادر في الوقت نفسه على اللعب على التناقضات الواضحة، أو الكشف عندما تدعو الحاجة عن بعض “الودائع” التي بدأت تعبر عن نفسها تباعا وكان أبرزها أمس النائب العلوي في طرابلس فراس السلوم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal