لا أكثريات في مجلس النواب.. فمن سيكون ″بيضة القبان″؟… غسان ريفي

فرضت ثورة 17 تشرين نفسها على المجلس النيابي الجديد بقوة تغييرية وازنة قوامها 14 نائبا تم إنتخابهم بشغف من قبل المواطنين الذين تابعوا نضالاتهم وإحتجاجاتهم في الساحات وسارعوا الى مكافأتهم بإيصالهم الى سدة المسؤولية التشريعية على حساب البعض من الرموز والأحزاب السياسية التي تم إسقاطها، بما يمكن النواب الثوريين الجدد من الضغط لاقرار القوانين التي كانوا يطالبون بها والمتعلقة بمختلف جوانب حياة اللبنانيين.

أفرزت الانتخابات واقعا جديدا، لم يعد أحد قادرا على تجاوزه أو رفض التعاطي معه، خصوصا بعد إنقسام المجلس النيابي الى أربع جهات، القوى السياسية المتحالفة مع المقاومة، والقوى التي تطلق على نفسها صفة السيادية، وقوى الثورة والتغيير، والقوى المستقلة وهي مؤلفة من نواب مستقلين وصلوا الى الندوة البرلمانية بمفردهم بعدما إلتحق حلفاؤهم في الانتخابات بأحزابهم وتياراتهم.

لم يكن وصول نواب الثورة والتغيير الى مجلس النواب وليد صدفة أو عوامل آنية، بل هم قطفوا ثمار نضالاتهم التي لفتت أنظار المجتمع اللبناني الذي عرفوا كيف يتعاطون معه وكيف يخاطبونه ويكسبون وده وثقته، فشكلوا بديلا منطقيا عن قوى سياسية تمارس عنجهية وفوقية بإعتبار أن فوزها مضمونا بفعل عوامل سياسية وشعبية كانت تظن أنها متوفرة لها، قبل أن تفاجأ بأنها كانت في مكان والشعب الذي مارس التصويت العقابي بحقها في مكان آخر.

في المحصلة، لا يمكن حتى الآن حسم التحالفات التي ستنتج الكتل النيابية تمهيدا لتحديد موازين القوى ومن يمتلك الأكثرية في مجلس النواب، علما بأن العديد من الخبراء يؤكدون أن أحدا لم يعد يمتلك الأكثرية في المجلس الجديد الذي بات عبارة عن تكتلات صغيرة تحتاج الى بعضها البعض لاقرار القوانين أو لتمرير بعض المشاريع.

ويأتي ذلك، إنطلاقا من التباينات القائمة حتى ضمن الفريق الواحد الذي قد يتفق على الاستراتيجيات العامة لكنه يختلف على كثير من التفاصيل المحلية، سواء ضمن فريق المقاومة التي كانت ولا تزال تشكل ضابط إيقاع لاختلافات حلفائها، أو ضمن الفريق المحسوب على قوى 14 آذار والذي قد تضاعف من تباينات أركانه ذيول المعارك الانتخابية التي خاضتها القوات اللبنانية ضد كل من لم يلتحق بمظلتها بهدف تشكيل أكبر تكتل نيابي يساهم في إيصال رئيسها سمير جعجع الى رئاسة الجمهورية، وإذا كان هذا الفريق يجتمع على مواجهة محور المقاومة، فإنه يختلف على كثير من الأمور لا سيما في ظل إصرار القوات على التعاطي مع مكوناته من منطلق الملحقين بالتكتل الذي تنوي تشكيله، الأمر الذي يثير حفيظة بعض مكونات هذا الفريق والتي ستعمل بحسب مصادرها على تشكيل كتلتها النيابية الخاصة.

ولا شك في أن التباين بدا واضحا بين قوى الثورة والتغيير حول أمور أساسية لا سيما مقاربة سلاح المقاومة وغيره من القضايا، في حين أن هذه القوى ستحاول النأي بنفسها عن القوى السياسية الأخرى إنطلاقا من رفضها التعاطي مع كل مندرجات المنظومة التقليدية التي أوصلت البلاد الى الدرك الأسفل من الانهيار.

أما المستقلون وهم يشكلون عددا وازنا من مجمل تشكيلة المجلس النيابي، فلكل منهم هواه السياسي الذي قد يجعله قريبا من هذا الفريق أو ذاك، فضلا عن مكون سياسي آخر هو اللقاء الديمقراطي الذي قد يشكل “بيضة القبان” الى جانب بعض المستقلين.

كل ذلك، يشير الى أن لا أكثريات في المجلس الجديد، وإنما كتل صغيرة ربما تفرض المصلحة الوطنية على تعاونها جزئيا أو كليا لتحقيق تطلعات اللبنانيين الذين شاركوا في الانتخابات بهدف إنقاذ بلدهم وإعادة تأمين أبسط مقومات العيش، ولم ينتخبوا مجلسا لمزيد من الانقسام والتحريض والشحن وبناء المتاريس بما يعيد التهديد بالحرب الأهلية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal