برغم أنّ الإنتخابات النيابيّة المقرّرة في 15 أيّار المقبل على بعد نحو شهر من الآن، وهي تستقطب الإهتمام المحلّي على نطاق واسع، خصوصاً من قبل الأحزاب والتيّارات والقوى والشّخصيات السياسيّة المعنية بها، ترشيحاً ومقاطعة وعزوفاً، فإنّها ليست الملف الأول الحاضر على طاولة كبار المسؤولين في لبنان والمنطقة.
فعلى الرغم من تمسّك أغلب الأطراف السياسية الداخلية بإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، ورفضهم تأجيلها وتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي، إنطلاقاً من أنّها تشكل إعادة الشّرعية إلى المجلس النيابي والطبقة السياسية بعد حَراك 17 تشرين الأوّل عام 2019، إثر شعور الجميع بأنّ شرعيتهم السياسية والتمثيلية باتت منقوصة، فإنّ البرودة الإنتخابية تسيطر على مجمل المشهد السّياسي ـ الإنتخابي في لبنان، وكأنّه ما من إنتخابات مصيرية ستجري بعد شهر من تاريخه، في سابقة غير معهودة في تاريخ لبنان الحديث، أقله منذ إقرار إتفاق الطائف عام 1989.
تعود هذه البرودة الإنتخابية برأي مراقبين إلى أنّ ما كُتب بشأن الإنتخابات النيابيّة المرتقبة قد كُتب، خصوصاً في ما يتعلق بالخطوط والعناوين العريضة لإجرائها ونتائجها وتداعياتها على مجمل المشهد السياسي في لبنان، وبأنّ قوى سياسية بارزة ونافذة، وذات إطلاع وتواصل مع الخارج الإقليمي والدولي المعني بالملف اللبناني، تدرك أنّ البحث يجري حالياً في مرحلة ما بعد الإنتخابات النيابية، وكيفية مقاربة تطوراتها ومستجداتها والتعاطي معها.
جملة تطوّرات برزت في الأسبوع المنصرم توحي بهذا الإنطباع بالنسبة لكثيرين، بدءاً من توصّل الحكومة إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، مروراً باللقاء الذي جمع بين رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية ورئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل على مائدة إفطار برعاية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وصولاً إلى عودة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى مقرّ السفارة، وممارسته مهامه بنشاط ملحوظ بعد غياب إستمر لنحو خمسة أشهر ونصف، إثر استدعاء المملكة سفيرها في بيروت تعبيراً عن إستيائها من حملة منظمة ضدها تجري من قبل معارضين سعوديين وغيرهم ضدّها في لبنان.
كلّ هذه التطوّرات التي تزامنت مع متغيّرات لافتة في المنطقة، من سوريا إلى العراق واليمن وصولاً إلى أوكرانيا، جعل الملف الإنتخابي يتراجع على سلّم الأولويات والمتابعة، حتى باتت عناوين نشرات الأخبار على محطّات التلفزة وعناوين الصحف، في الأيّام الأخيرة، لا تضع الإستحقاق الإنتخابي في المرتبة الأولى، بل تراجع على حساب تقدّم إستحقاقات أخرى عليه، مثل الذي ذُكر آنفاً فضلاً عن الملف المعيشي الضاغط.
يعني كلّ ذلك أنّ ملفات ما بعد الإنتخابات النيابية هي التي وُضعت على الطاولة ويجري النقاش حولها، من حكومة ما بعد الإنتخابات، وانتخابات رئاسة الجمهورية في الخريف المقبل، والملف الإقتصادي والمعيشي، وصولاً إلى مواكبة متغيّرات في المنطقة بدأت ملامحها تلوح في الأفق، بما يتعلق بمعالجة الأزمة السورية حيث يتوقع أن تشهد إنفراجات كبيرة قريباً، تدل على أنّ تسويات كبرى يجري طبخها على نار هادئة، وأنّ لبنان معني قبل سواه بمواكبتها والتفاعل معها.
Related Posts