تطوّران قضائيان حصلا أمس هيمنا على الحركة السياسية تقدما على استحقاق الإنتخابات النيابيّة المرتقبة في 15 أيّار المقبل، ورفعا من حدّة السّجال والإنقسام السّياسي العمودي بين الأطراف السّياسية كافّة، وأعطيا إشارة إلى أنّ الأيّام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت.
التطوّر الأوّل تمثل في إصدار قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور مذكرة توقيف وجاهية بحقّ رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قبل تحديده جلسة للحاكم الخميس المقبل.
أمّا التطوّر الثاني فكان إدّعاء مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع بملف أحداث الطيونة، وإشارة المحامي وديع عقل إلى أنّ “عدد المدعى عليهم في هذا الملف إرتفع إلى العشرات من الطرفين، بينهم حوالي 25 شخصاً بين موقوف وفارٍ من الجهة المقابلة”، وذكّر بأن “الملف مدعم بمعطيات وأدلة كثيرة ومتعدّدة”.
أسئلة ونقاط كثيرة أثارها التطوّرين المذكورين على أكثر من مستوى، حيث ينتظر أن يستقطبا على مجمل الحركة السّياسية في لبنان خلال الأيّام المقبلة، من أبرزها:
أولاً: أثار ما حصل إنقساماً واسعاً في الأوساط السياسية يشبه الإنقسام الذي شهدته البلاد حول قرارات القاضي طارق بيطار المتعلقة بقضية إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، بين مؤيّد ومعارض، ما أكّد أنّ القرارات القضائية كما السّياسية وغيرها لا تلقى في لبنان إجماعاً عليها، فمن تلائمه سياسياً وقضائياً يقف في صفّها، ومن لا تناسبه يتهم القضاء بالتسييس، في بلد كلّ شيىء فيه مسيس، من رأسه حتى أخمص قدميه.
ثانياً: جاء توقيف شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، وتحديد جلسة للحاكم نفسه رياض سلامة يوم الخميس المقبل، ليؤكّد أنّ المواجهة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، من غير أن يعرف أحد المدى الذي ستصله هذه المواجهة، هل إلى تسوية مقبولة بينهما، أم إلى تصعيد بما يؤثّر سلباً على الوضع النقدي والمالي المهتز والمتداعي أصلاً؟
ثالثاً: التطوّر الثاني المتعلق بجعجع طرح أسئلة حول إن كان ذلك مقدمة لتكرار إيقافه مجدّداً كما حصل عام 1994، برغم اختلاف الظّروف المحلية والإقليمية، عندما سجن بسبب إتهامه بتفجير كنيسة سيدة النجاة في كسروان. وبرغم أنّه حصل على البراءة من هذه التهمة، إلّا إنّه حوكم بتهمة إغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي ورئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون، كما اتهم باغتيال النائب طوني فرنجيّة وعائلته في إهدن وهو ما سمي لاحقاً بمجزرة إهدن. وهو تطوّر من شأن ذهابه حتى آخر الشّوط أن يشير إلى رسم معادلة جديدة لمستقبل الوضع العام في لبنان.
رابعاً: أثار التطوّران مخاوف على مصير الإنتخابات النيابيّة المقبلة، وأن يكون ما يحصل مقدمة لتطييرها وتأجيلها، وعلى الإستقرار الهشّ في البلد، سياسياً وأمنياً ومالياً، ورفع منسوب القلق في مختلف الأوساط خشية أن تدفع هكذا تطورات البلد نحو مزيد من التأزّم، وسط انعدام كلّي للمخارج والحلول للأزمات المتراكمة.
Related Posts