شكل كلام رئيس الجمهورية ميشال عون في معرض حديثه حول ترسيم الحدود الى صحيفة الاخبار أمس، صدمة، حيث اعلن بصريح العبارة ان “خطنا النقطة 23، وهي حدودنا البحرية، ليس تنازلاً بل حقنا الحقيقي والفعلي. تعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة. هذا هو خط تفاوضنا الذي نتمسك به”.
كلام الرئيس عون الذي جاء بعد يومين على مغادرة الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين بيروت يطرح علامات استفهام عدة لا سيما ان الرئيس نفسه كان قد اعلن عشية انطلاق المفاوضات غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي في 13/10/2020 “بدء المفاوضات على اساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برّاً التي نصّت عليها اتفاقية “بوليه نيو كومب” عام 1923 والممتد بحراً استناداً الى تقنية خط الوسط من دون احتساب اي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة وفقاً لدراسة اعدتها قيادة الجيش اللبناني على اساس القانون الدولي”.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “سفير الشمال”، فإن الرئيس عون طيلة فترة المفاوضات وفي مختلف الاجتماعات المتعلقة بترسيم الحدود كان دائما يؤكد على ضرورة واهمية التفاوض على اساس الخط 29. والجدير ذكره ان رئيس الجمهورية تسلم من الوفد اللبناني المفاوض تقريراً مفصلاً (من 35 صفحة) حول قانونية الخط 29. علماً ان الخط 23 لا يمكن الدفاع عنه وان هناك قراراً في هيئة التشريع والاستشارات يتضمن العيوب التي تشوب هذا الخط وطلب تعديله في مجلس الوزراء.
كلام الرئيس عون والتراجع الرسمي الذي اعلنه في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، يعيد الى الذاكرة يوم شن بعض جماعة العهد هجوماً عنيفاً على رئيس مجلس النواب نبيه بري مطالبين بتسليم ملف التفاوض الى رئاسة الجمهورية بذريعة ان بري ابرم اتفاقاً سرياً مع الاميركيين حول الحدود الجنوبية.
ولا تزال في ذاكرة اللبنانيين القريبة جداً ايضاً، الحملة الهجومية العنيفة التي شنها بعض العهد عبر مناصرين وسياسيين واعلاميين على وزير الاشغال العامة السابق ميشال نجار (نيسان 2021) متهمين إياه برفض التوقيع على تعديلات المرسوم 6433 بطلب من رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه الذي اتهموه ايضاً بالتواطؤ مع الاميركيين من اجل الوصول الى رئاسة الجمهورية.
كل هذا يحصل وسط غياب تام لاي موقف او تعليق من حزب الله على كلام الرئيس عون. اذ تشير مصادر مقربة منه الى ان ” المقاومة ليست جهة معنية بموضوع ترسيم الحدود سواء البحرية او البرية. وهي تقف خلف الدولة بموضوع الترسيم دائماً. فأينما تقول الدولة هذه حدود لبنان المقاومة معنية بالدفاع وحماية هذه الحدود”. وإذ تستبعد هذه المصادر ان “يكون الرئيس عون قادراً لوحده ان يفاوض في هذا الملف لانه موضوع بحاجة الى اجماع وطني”، تؤكد ان “المقاومة معنية بأن لا تسمح بحصول أي شكل من اشكال التطبيع في لبنان”.
هو ضرب من الخداع مُنيَ به الشعب اللبناني من عقر داره، اذ كان بإمكان لبنان الحصول على حقوقه التي يطالب بها لا سيما وان بيده ورقة ضغط على العدو الاسرائيلي تتمثل في الرسالة التي وجهت الى الامم المتحدة اواخر كانون الثاني المنصرم. اضف الى ان تعديل المرسوم 6433 لو حصل كان سيصل بالبلاد الى مرحل متقدمة من المفاوضات.
وعليه، ادى تراجع رأس الدولة عما كان يعتبره الشرط الرئيس لاستمرار المفاوضات حول الحدود البحرية الجنوبية، الى نقل المعادلة من “قانا مقابل كاريش” الى خروج كاريش من منطقة النزاع وحصر النزاع في مساحة 860 كلم وعليه باتت المعادلة “اذا اراد لبنان الحصول على حقل قانا فإن العدو الاسرائيلي يريد حقلاً آخر له في المنطقة عينها اي انشاء خط متعرج لتبادل الحقول”.
بذلك تم نقل لبنان من الملعب القانوني حيث هو قوي وحقه واضح فيه الى ملعب تقاسم الحقول ونحن لا ندري فيه شيئا، فيما هم يعرفون ماذا يوجد تحت المياه لانهم يملكون كل المساحات والخرائط.
اذاً، بعد ان كان لبنان على قاب قوسين او ادنى من الوصول الى حلّ عادل ومشرّف لو استمرّ في التفاوض على اساس الخط 29، حيث كان الاقوى قانونياً، بات اليوم الحلقة الاضعف لا سيما وان اهل السياسة رضخوا للضغوط الاقتصادية متناسين ان بلاد السيد المسيح هذه مرّت بظروف اصعب ولم تنهزم امام العدو. فهل من يعتبر؟..
Related Posts