منذ نحو ثلاثة أشهر خرجت دفعة من شبان المناطق الشعبية في طرابلس باتجاه العراق، ثم لحق بهم عدد آخر من الشبان بشكل جماعي أو ثنائي أو فردي الى أن بلغ العدد نحو 65 شابا باتت أسماؤهم لدى الأجهزة الأمنية المعنية، بعدما كشفت عائلات بعضهم أنهم أجروا إتصالات بها بعد فترة من إنقطاع أخبارهم بشكل كامل لابلاغها بأنهم يتواجدون في العراق، كما كشف مقتل إثنين منهم أن أكثريتهم قد إلتحقوا بتنظيم “داعش” في العراق بفعل إغراءات مالية، الأمر الذي سارع البعض الى إستغلاله كالعادة للامعان في إستهداف طرابلس وتشويه صورتها ورسم السيناريوهات البعيدة عن الواقع حول أهلها الذين أثبتوا مرات عدة وفي إستحقاقات أمنية كبرى أنهم تحت سقف القانون وملتزمون بالدولة اللبنانية وأنهم لا يشكلون ولن يشكلوا بيئة حاضنة للارهاب أو لأي تطرف.
أسباب كثيرة جرى الحديث عنها حول مغادرة هؤلاء الشبان، منها وثائق الاتصال التي كان من المفترض أن تلغى منذ العام 2014 حيث أصدرت حكومة الرئيس تمام سلام قرارا بذلك، ومنها المضايقات الأمنية لهم، ومنها ورود إتصالات لهؤلاء الشبان بأن هناك ملفات تحضر لهم وأنه سيصار الى إتهامهم بالارهاب تمهيدا لاعتقالهم، ومنها أيضا إستغلال الحالات الاجتماعية والاقتصادية المأساوية لأكثرية الشبان والتغرير بهم عبر إغراءات مالية وأمور أخرى.
تشير المعلومات الى أن وصول الشبان الى العراق كان بداية بشكل مباشر من خلال السفر إليه عبر مطار بيروت، ثم بعد إنكشاف الأمر تحول السفر الى تركيا ومنها الى العراق، وكذلك الأمر برا عبر الحدود الشمالية الى سوريا فتركيا وصولا الى العراق.
واللافت اليوم، أنه كلما غاب شاب من طرابلس وجوارها عن أهله لساعات أو أيام تُلصق به تهمة الالتحاق بداعش في العراق حيث تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في إثارة هذا الموضوع وتوتير الأجواء، علما أن شبانا كثر ثبت أنهم كانوا في عمل أو أنهم كانوا في مناطق لبنانية بعيدة وإنقطعوا من الاتصال أو أنهم موقوفين لدى أجهزة أمنية لأسباب مجهولة، أو أنهم أرادوا العمل بعيدا عن أهلهم بهدف تأمين المال، أو أنهم تركوا منازلهم لخلافات مع أهاليهم، وطبعا فإن ذلك يجعل طرابلس تعيش في حالة توتر دائمة، وتحفز المصطادين بالماء العكر الى سوق الاتهامات بحقها والاساءة الى أهلها.
كثيرة هي التساؤلات حول هذا اللغز والتي من المفترض أن تجد الأجوبة الشافية، حماية لطرابلس ودفاعا عن أهلها الذين لا يجوز في كل فترة أن يخضعوا لـ”فحص دم” لتأكيد وطنيتهم التي لا يتقدم أحد في لبنان بها عليهم.
لا شك في أنه لا يمكن لأي شاب يتعرض لتهديد بتركيب ملف إرهابي بحقه، أو لاغراءات أن يغادر من تلقاء نفسه باتجاه العراق أو أي دولة أخرى وبهذا الشكل السريع، ما يؤكد أن ثمة مافيا تهريب أو جهات مرتبطة بـ”داعش” هي من تؤمن لهم الخروج من لبنان وتتكفل بكل الترتيبات والتكاليف، وذلك على غرار الجهات والمافيات التي نشطت في تهريب المقاتلين والأسلحة بين لبنان سوريا إبان الأحداث في الداخل السوري لا سيما بين عامي 2012 و2014.
وما يثير الاستغراب هو سهولة إنتقال الشبان لا سيما عن طريق البر وإجتياز الحدود والمناطق التي تخضع للسيطرة العسكرية وصولا الى تركيا ومن ثم الى العراق، علما أن السهولة في مغادرة لبنان، تعني سهولة في العودة إليه بعد التجنيد في حال أرادت “داعش” القيام بأي عمل أمني فيه، وهذا أمر بالغ الخطورة وقد تترتب عليه تداعيات كارثية لا سيما في ظل الأوضاع الاجتماعية والمعيشية والانسانية التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم.
وبعض النظر عن الأسباب التي دفعت الشبان الى المغادرة، فإن ما يحصل، يتطلب جهودا إضافية من الأجهزة الأمنية والعسكرية على إختلافها للكشف بداية عن الغرف السوداء التي تُخوف وتُحرض وتُغري الشبان لاستمالتهم الى داعش وتشجيعهم على المغادرة باتجاه العراق، ومن ثم الكشف عن المافيات والجهات التي تتولى نقلهم، وذلك قبل أن تستفحل الأمور، وتعود عقارب الساعة الى الوراء، خصوصا أن ما يحمي لبنان اليوم بالرغم من كل الأزمات التي يتخبط بها هو الاستقرار في الوضع الأمني الذي في حال إهتزازه إنطلاقا من أي محافظة أو مدينة أو بلدة ستكون النتائج كارثية وثمة نماذج كثيرة سابقة دفعت بعض المناطق ثمنا باهظا لها وفي مقدمتها طرابلس التي إستهدفت بأشكال عدة، ولم تبدلها المعاناة ولم يخرجها الحرمان المزمن والاستهداف المستمر من وطنيتها ومن تحت سقف القانون.
Related Posts