من المعروف في لبنان أنه كلما وصلت الأزمات الى طريق مسدود، أو إنفجرت في الشارع، تتجه الأنظار نحو طاولة حوار لرأب الصدع بين المتخاصمين وإعادة الأمور الى نصابها من خلال التوافق على القواسم المشتركة من دون الوصول الى حلول نهائية للأزمات، ما يجعل طاولة الحوار التي غالبا ما يدعو إليها رئيس الجمهورية وأحيانا رئيس مجلس النواب “موسمية” أو عندما تدعو الحاجة السياسية والأمنية لذلك.
مع إشتداد الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والتوتر السياسي المتصاعد وإنسداد أفق الحلول بالكامل، وشعور العهد بأنه يعيش في شبه عزلة، كانت مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون بالدعوة الى حوار للبحث في ثلاثة ملفات هي: اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، والاستراتيجية الدفاعية، وخطة التعافي الاقتصادي.
يمكن القول إن الكلام المقتضب لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي عقب لقائه الرئيس ميشال عون أمس والذي خصص للبحث في موضوع الحوار، وتحفظه عن الادلاء برأيه الذي تركه في عهدة رئيس الجمهورية، يوحي بأن فكرة الحوار لم تنضج كفاية، أو أن ثمة عراقيل تواجه الدعوة إليها لأسباب عدة أهمها:
أولا: إعتذار الرئيس سعد الحريري عن المشاركة، وهو كان أجرى إتصالا أمس بالرئيس عون أبلغه فيه عدم مشاركته إنطلاقا من قناعته بأن هذا الحوار من المفترض أن يكون موعده بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وإذ رأى متابعون في إتصال الحريري بعون إيحاء بأنه باق في الحياة السياسية قبل الانتخابات النيابية وبعدها، لمسوا أن القوات تسير على خطى المستقبل في مقاطعة الحوار، فضلا عن عدم حماسة لدى الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تجاهل الاعلان عن أي موقف سواء كان سلبيا أو إيجابيا من الحوار وكذلك تيار المردة، في حين رحب حزب الله بالأمر، وحرص الرئيس نبيه بري على التعاطي مع الدعوة بـ “تعميم” حيث أكد أنه “لا يمكن أن يدعى الى حوار ويقاطع”، بينما لاقى الرئيس ميقاتي الدعوة بايجابية لكن بشروط محددة.
ثانيا: عدم التوافق على البنود المطروحة للحوار، لا سيما لجهة “اللامركزية المالية والادارية الموسعة” التي تحولت سريعا الى نقطة خلاف، حيث لم يرد في إتفاق الطائف شيئا عن “اللامركزية المالية الموسعة” التي يعتبرها البعض اليوم نوعا من أنواع الفدرلة أو محاولة لخطب ودّ الشارع المسيحي عشية الانتخابات.
وأيضا، بالنسبة للاستراتيجية الدفاعية التي تحتاج برأي المتابعين الى مزيد من البحث والتطوير، لا سيما في ظل تنامي الخلافات بين أطراف لبنانية عدة مع حزب الله الى حدود القطيعة الكاملة، وكذلك الأمر بالنسبة لخطة التعافي الاقتصادي التي يرفض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البحث فيها كونها من صلاحيات الحكومة ولا علاقة لها بطاولة الحوار التي طالب ميقاتي بإضافة بند جديد عليها هو “تمتين العلاقات اللبنانية مع الأشقاء العرب وعدم الاساءة إليهم أو التدخل بشؤونهم”.
ثالثا: رفض البعض تعويم عهد الرئيس عون على مسافة تسعة أشهر من إنتهائه، والحؤول دون إعطاء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فرصة لالتقاط الأنفاس السياسية من خلال وجوده على الطاولة والاستفادة من ذلك إنتخابيا، وكذلك قناعة البعض بعدم جدوى الحوار عشية الانتخابات، وبالتالي فإن تأجيله الى ما بعد تكوين السلطة الجديدة من خلال الاستحقاق الانتخابي سيمنح مقرراته فرصة أكبر لتأخذ طريقها نحو التنفيذ.
أمام هذا الواقع، تبرز بعض التساؤلات لجهة: هل طارت طاولة الحوار؟، أم أن رئيس الجمهورية سيعقدها بمن حضر؟، وهل ستؤجل الى ما بعد الانتخابات ليُبنى على نتائجها المقتضى؟، أم أن الايجابيات التي عمل عليها الرئيس ميقاتي خلال لقائه الرئيس عون يوم الأربعاء الفائت بما في ذلك الاتصال مع الرئيس بري، يمكن أن تتوسع فيُستعاض عن طاولة الحوار بلقاءات رئاسية تؤسس لتوافق على كيفية إدارة الأزمات في الفترة المتبقية من العهد؟.
Related Posts