ربما تكون المرة الأولى التي لم تسمح فيها القوى السياسية للبنانيين بتبادل التمنيات بعام جديد مستقر وآمن، فهي لم تعط لنفسها فترة إستراحة، ولم تمنح المواطنين فترة لالتقاط الأنفاس حيث وصلت خلافات وتجاذبات وصراعات العام الفائت بالعام الجديد، من دون أي تقدير للمصلحة الوطنية أو الأخذ بعين الاعتبار معاناة الناس المتمثلة بتوالد الأزمات من الدولار الذي لامس سعره الثلاثين ألف ليرة على وقع العبث السياسي، الى سائر الصعوبات التي تهدد البلاد والعباد بانهيار أبسط مقومات العيش الكريم.
ليس لبنان في وضع عادي يسمح للتيارات السياسية أن تخوض حروبا فيما بينها، وأن تمارس تحريضا على بعضها البعض وأن تحرك الشارع وفقا لغرائز طائفية ومذهبية، ولا يمتلك البلد من المناعة ما يجعله قادرا على أن يكون ساحة للمناورات والرسائل السياسية وتصفية الحسابات وتنفيذ الأجندات الداخلية والخارجية.
وليس اللبنانيين اليوم في موقع المهتم بنتائج معركة التيار الوطني الحر مع حركة أمل، أو بتداعيات المواجهات الدائرة في الشارع المسيحي، أو بإبتزاز جبران باسيل لحزب الله للحصول منه على ضمانات نيابية ورئاسية، أو برسائل حزب الله النارية باتجاه الخليج العربي ولا سيما السعودية، بل هم في مكان آخر بعيد جدا عن كل ما يدور في الكوكب السياسي، حيث ما يهمهم هو كيفية تأمين ربطة خبز وحبة دواء وساعة كهرباء إضافية، وفي تجنب فيروس كورونا والصمود والحفاظ على ما تبقى من كرامة إنسانية قد تهدر أمام عجز عن مواجهة الأعباء الاضافية.
أمام هذا الواقع المخيف على الصعد المالية والاجتماعية والصحية، تبرز سلسلة من التساؤلات لجهة: لمصلحة مَن، الذهاب الى كل هذا التوتر السياسي الداخلي؟، ولمصلحة مَن، النفخ في أبواق الفتن الطائفية والمذهبية؟، ولمصلحة مَن ضرب علاقات لبنان الخارجية عربيا ودوليا؟، ولمصلحة مَن، عزل لبنان عن محيطه العربي؟، ولمصلحة مَن، تهديد المغتربين اللبنانيين في لقمة عيشهم وهم الذين يشكلون بتحويلاتهم المالية رئة تتنفس من خلالها شرائح لبنانية واسعة؟، ولمصلحة مَن، تعطيل الحكومة التي جاءت من أجل مهمة وحيدة هي وقف الانهيار ورسم طريق الانقاذ؟، ولمصلحة مَن، يترك الشعب اللبناني يواجه هذا الكم من الكوارث التي تكاد تقضي على البقية الباقية منه؟.
في هذا الاطار، لم يكن مستغربا موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لم يدع سبيلا طيلة الفترة الماضية إلا وسلكه لاستئناف عمل حكومته والنظر في الملفات المعيشية والاقتصادية العديدة التي قام بتجهيزها رغم التعطيل من خلال الاجتماعات الوزراية اليومية، خصوصا أن من يضع نصب عينيه تنفيذ المهمة الانقاذية في هذه الظروف البالغة الحساسية، لا بد وأن يرفض أية مواقف تصعيدية لا سيما تلك التي تسيء الى العلاقات اللبنانية الخارجية من أي طرف جاءت والى أي جهة توجهت، كون الأولوية اليوم هي لوقف الانهيار الذي يحتاج الى ورشة عمل وطنية جماعية، وليس الى تحويل البلاد الى محاور للاشتباكات السياسية.
ترى مصادر سياسية مواكبة أن الرئيس ميقاتي يقوم بواجبه الوطني في الحفاظ على علاقات لبنان مع أشقائه وأصدقائه، وأن حكومته اليوم تشكل الفرصة الأخيرة للانقاذ خصوصا بعدما وصلنا الى القعر، فهل من يدرك خطورة الوضع وتداعياته الكارثية على اللبنانيين، فيعطي البلد فرصة لالتقاط الأنفاس من خلال إستئناف العمل الحكومي الذي من شأنه أن يخفف من ورم سعر الدولار، أم أن هناك من يريد أن يحفر في القعر، لاسقاط البلاد الى الدرك الأسفل من جهنم؟!..
Related Posts