كشفت الازمة الدبلوماسية اللبنانية – الخليجية على خلفية تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي مزيدا من العيوب في الجسم اللبناني الهش والفاقد لكل انواع المناعة لا سيما المناعة الوطنية التي ظهرت في هذه الازمة بأبشع صورها.
بالرغم من كل المآسي التي يشهدها لبنان جراء الانهيارات المتعددة الاوجه التي ادخلت شعبه في اندية الفقراء والبائسين جماعات وفرادى.. وفي الوقت الذي كان يفترض بالحكومة ان تنصرف الى تنفيذ مهامها الانقاذية التي عطلتها التجاذبات السياسية والمصالح الشخصية حتى باتت تعمل على القطعة لحل الازمات لا سيما على صعيد انطلاق التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتحسين التغذية الكهربائية واستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية، سارع البعض الى الاصطياد بالماء العكر مستفيدا من العقوبات الخليجية على لبنان لتحقيق مكاسب شخصية.
لم يتوان بعض اللبنانيين عن تحريض السعوديين على بلدهم، في حين سارع البعض الآخر الى المزايدات والشعبوية للفت الانظار اليه، او تمهيدا لتقديم اوراق اعتماد عشية الانتخابات النيابية، فيما انصرف آخرون الى استهداف الحكومة من منطلقات سياسية كيدية، والى تصفية حسابات مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي يحرص منذ ازمة المحقق العدلي طارق البيطار على نسج شبكة حماية للحكومة ليس طمعا ببقائها بل لكونها ضرورة قصوى بحسب تأكيد كل القوى الدولية والاقليمية وحتى العربية.
لم يكن اسهل على الرئيس ميقاتي ان يقدم استقالة حكومته وان يكسب الشارع وربما دول الخليج، لكنه يدرك ان خطوة من هذا النوع تعني الوصول الى الارتطام المدمر الذي سيعمم الفوضى وحروب العصابات في بلد يفتقد لابسط مقومات العيش الكريم، ويواجه ارتفاعا غير مسبوق في سعر صرف الدولار وهو من الطبيعي ان يتضاعف بفعل الانهيار التام، وصولا الى مخاطر الانزلاق الى الحرب الاهلية التي تتأجج نيرانها تحت الرماد، وهي بدأت نماذج منها تظهر من خلدة الى الطيونة.
من المفترض ان لا يختلف اثنان على ضرورة الحفاظ على بقاء الحكومة خصوصا ان الدعوات المشبوهة لاستقالتها تعني الدخول في فراغ قاتل جديد الى نهاية العهد سيطيح معه بخطة الكهرباء وصندوق النقد والانتخابات النيابية بما يدفع المجتمع الدولي الى اعلان لبنان دولة فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
لا شك في ان الازمة الدبلوماسية المستجدة والمترافقة مع عقوبات خليجية سيكون لها تداعيات كارثية على لبنان، وبالتالي فان معالجتها لا يمكن ان تكون بمثل هذا الضجيج المفتعل الذي يهدد الكيان اللبناني برمته، بل بكثير من الحكمة الهدوء والتفتيش عن ثغرة في جدار هذه الازمة سواء عبر استقالة الوزير قرداحي وهي مرجحة من اجل تبريد الاجواء، او عبر حوار تقوده الدول المعنية بالملف اللبناني والتي سبق واعطت ضمانات بمساعدة الحكومة التي يجري رئيسها نجيب ميقاتي اتصالات ومشاورات مكثفة مع كل المعنيين من اجل رأب الصدع، وهو سبق وتعهد بأن “لبنان لن يكون منصة لاستهداف السعودية او دول الخليج”، وجدد موقفه لجهة التأكيد ان “كلام قرداحي لا يمثل الحكومة اللبنانية، وان الحفاظ على العلاقات العربية اولوية لبنانية.
تقول مصادر سياسية مواكبة: ان لبنان لا يمكن ان ينفصل عن محيطه العربي، وبالتالي فإن ليس من مصلحة العرب بما في ذلك دول الخليج مقاطعته او ادارة الظهر له بالكامل، خصوصا في هذا التوقيت، وذلك انطلاقا من قاعدة ان “الطبيعة لا تقبل الفراغ”، ما يعني ان الفراغ الخليجي في لبنان قد تسارع قوى اقليمية أخرى لكي تملأه..
Related Posts