كسب رئيس المجلس النيابي نبيه برّي يوم أمس جولة في الصراع الدائر بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السّياسي، وعلى رأسه رئيس التيّار الوطني الحرّ وصهره النائب جبران باسيل، عندما أقر مجلس النواب في جلسته التي عقدها يوم أمس تثبيت موعد إجراء الإنتخابات النيابية في 27 آذار المقبل بأكثرية 77 صوتاً، بدلاً من موعدها السّابق الذي حدد في 8 أيّار المقبل، وهو تقريب رفضه عون وباسيل شكلاً ومضموناً.
هذا “الربح” ـ إذا جاز التعبير ـ الذي حقّقه برّي، جاء بعدما ردّ عون القرار نفسه الذي صدر عن مجلس النوّاب في هذا الخصوص، قبل عدّة أيّام، وأعاده إلى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية لدرسه مجدّداً، وطالباً إدخال تعديلات عليه، فسارع برّي إلى تحويل القرار إلى اللجان المشتركة التي أقرته، قبل تحويله سريعاً إلى الهيئة العامة في مجلس النواب التي أقرته على النحو الآنف الذكر، قبل أن يقوم برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتوقيع على القرار، الذي سيصبح ـ وفق الدستور ـ نافذاً، حتى لو لم يوقعه عون، الذي لا يملك صلاحيات ردّه مرّة أخرى.
إعتراضات التيّار البرتقالي على تقريب موعد الإنتخابات ليس جديداً، وهو ما أكّده باسيل أمس من أنّ “تقريب المهل يُصعّب على المغتربين التسجيل، ما يُعرّض العملية الإنتخابية لشوائب عديدة، فضلاً عن عوامل الطقس والصوم عند المسيحيين”، إضافة إلى مطالبة باسيل بالـ”ميغاسنتر”، وهو مطلب جعل برّي يردّ عليه قائلاً: “ليس كلّ ما نريده يجب الوصول إليه، وإلّا يتوقف البلد”.
لكن “ربح” برّي ومن صوّت إلى جانب تكتله في جلسة مجلس النواب أمس لا يعني أنّ الإنتخابات قد سلكت طريقها بشكل طبيعي نحو موعدها الجديد، وأنّ إشارة الإنطلاق قد أعطيت لبدء العدّ التنازلي للإستحقاق الإنتخابي المقبل.
إذ على الرغم من تصويت المجلس النيابي على القرار، إلا أن أغلبية النواب والكتل أكدت بأنّ إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة هو بيد الحكومة، لا المجلس، وهو اعتراف يبدو كافياً لأن يدخل الإستحقاق الإنتخابي في تجاذبات حادة.
فالحكومة التي أبصرت النّور منذ فترة قصيرة سرعان ما دبّ الإنقسام والخلاف بين أركانها، وأدّى الصراع الحاد بين مكوناتها حول مسار التحقيقات في ملف إنفجار مرفأ بيروت إلى تعطيلها، وسط شروط وشروط مضادة وضعتها مكوناتها الذين طلبوا مسبقاً تنفيذها قبل عقد أيّ جلسة مقبلة للحكومة، وإلّا فإن اجتماع الحكومة سيبقى معلقاً إلى أجل ليس معلوماً.
إذا كانت الحكومة معطّلة فكيف يمكنها عقد جلسات لمناقشة وإقرار مراسيم إجراء الإنتخابات النيابية، ومن يضمن صدور أي مرسوم داخل الحكومة إذا اعترض عليه وزراء التيار الوطني الحر، وإذا حصل وأصدرت الحكومة مراسيم معينة لها علاقة بالإنتخابات النيابية، من غير أن يتمكّن وزراء التيّار البرتقالي من اعتراضها وإسقاطها داخل الحكومة، فمن يضمن أن يوقع عون عليها، وهي تواقيع لا يمكن أن يمرّ أي مرسوم أو قانون ويصبح نافذاً من دونها، فكيف سيكون المخرج عندها؟
باختصار، يمكن القول بعد جلسة مجلس النوّاب أمس أنّ أزمة سياسية ـ دستورية وقانونية جديدة قد فرضت نفسها على السّاحة اللبنانية الغارقة والمزدحمة بالأزمات، وأن الأيّام المقبلة ستجعلها أشدّ تأزّماً وتعقيداً.
Related Posts