إذا تم إعتماد تاريخ استقلال لبنان نقطة إرتكازـ يلاحظ المتابعون أن السياسيين في هذه البقعة المشرقية يتبارون باستمرار بتوجيه الاتهامات إلى بعضهم البعض بالارتباط بهذه الجهة الخارجية أو تلك، طلباً للحماية أو للغطاء السياسي واحياناً بالاستزلام، حتى باتت هذه اللغة الممجوجة وطنياً في الدول التي يحترم مواطنوها انتماءاتهم، صنواً ثابتاً في أسلوب التخاطب السياسي حتى بات الجميع في دائرة الإتهام مهما علا شأنهم.
أحدث المواقف اللافتة في هذا السياق، هو ما قاله البطريرك الماروني بشارة الراعي عن الهيمنة على الوطن في عظة الأحد الفائت، “ندعو الحكومة للانطلاق في ورشة الاصلاحات فوراً والتي بدونها لا نجاح ولا مساعدات ولا تضامن عربي ودولي، ولبنان بقدر ما يحتاج إلى مساعدة اصدقائه، يجب ان تحافظ الدولة على استقلال البلاد وسيادتها وعلاقتها الطبيعية فلا تكون بعض المساعدات العينية غطاء للهيمنة على لبنان والنيل من هويته ودوره المسالم في هذا الشرق”!
هذا الكلام بالأمس فماذا عن السياق التاريخي؟
في ذكرى إعلان استقلال لبنان الثامنة والسبعين يتذكر المراقبون أن الدولة الفرنسية المُنتَدبة على لبنان بعد الحرب العالمية الأولى، قد رسمت لبنان الكبير في العام 1920 ومن ثم أعلنت استقلاله في العام 1943. ألم تكن تلك هيمنة خارجية؟
في منتصف الخمسينيات وفي عهد الرئيس كميل شمعون ذي الهوى الانكليزي الراغب بالانضمام إلى حلف بغداد، أتاحت فرنسا (أو أُزيحت) الفرصة للاميركيين كي يحطوا باسطولهم على الشواطئ اللبنانية. وما زال البعض حتى اليوم يتفاخر بان الرئيس شمعون قد فرض على الاميركيين شراء مواسم التفاح اللبناني. ألم يكن ذلك هيمنة خارجية؟
في الستينيات بسط الرئيس المصري مظلته على جزء واسع من الشعب العربي وظل لبنان يتأثر بالهوى المصرى وبسلطة سفارته في لبنان حتى أواخر السبعينيات. ألم يكن ذلك هيمنة خارجية؟..
في خريف العام 1976 أقرت جامعة الدول العربية دخول قوات الردع العربية إلى لبنان لوقف الحرب، واستمر تواجدها عبر القوات السورية حتى العام 2005، ألم يكن ذلك شكل من الهيمنة الخارجية؟
في مطلع الثمانينيات جنحت مجموعات من اللبنانيين إلى الحضن الاسرائيلي وتأثيراته حتى العام ألفين عبر منطقة الجنوب. ألم تكن تلك هيمنة خارجية؟
بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006 بدأت جهات محددة بالتركيز على أن إيران تسعى للهيمنة على لبنان وتحويله إلى دائرة “ولاية الفقيه” عبر “حزب الله”. وما زال الكلام يتردد حتى اليوم!
على ما تقدم، ليت السياسيين في لبنان عملوا على بناء دولة ذات سيادة غير منقوصة، وليت اللبنانيين آمنوا بوطنهم وإتحدوا على إبعاد أية هيمنة أو تدخلات خارجية تعيقهم عن بناء دولة مستقلة بكل معنى الكلمة، ليكون الجميع بمنأى عن الاتهامات وبحاجة فقط إلى غطاء العلم اللبناني!..
Related Posts