النقيب المراد إفتتح فعاليات المئوية الأولى لنقابة المحامين في طرابلس

بمناسبة مرور مئة عامٍ على إنشاء نقابة المحامين في طرابلس ويوم المحامي العالمي، أطلق النقيب محمد المراد الإحتفالية الأولى من إحتفاليات المئوية الأولى للنقابة، في حفلٍ تكريم مجموعة من القضاة المتقاعدين ابناء الشمال والذين عملوا في الشمال، والنقباء والمحامين المنتمين الذين مارسوا المهنة خمسين عاماً، وذلك في القاعة الكبرى في دار النقابة .

وحضر الإحتفال: وزير الثقافة محمد مرتضى، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الرئيس الأول لمحاكم الإستئناف في الشمال وممثل وزير العدل القاضي رضا رعد، نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف، رئيس رابطة القضاة المتقاعدين القاضي أنطوني عيسى الخوري، نقباء سابقون، قضاة ومحامون مكرمون، أعضاء مجلسي نقابة المحامين في بيروت وطرابلس، قضاة الشمال، أعضاء مجالس النقابة السابقون، مدراء المراكز والمعهد وأعضاء الهيئات الإدارية، محامون بالإستئناف ومحامون متدرجون وحقوقيون.

البداية بكلمةٍ ترحيبيةٍ من عريف الحفل المحامي الأستاذ شوقي ساسين جاء فيها:” في سفرِ تكوين ِالوطن أنها بَضْعَةُ لبنانَ الكبير، وُلِدَتْ في موضعِ القلبِ منه عامَ واحد وعشرين للقَرْنِ الماضي، كأنَّما بُرِئَتْ من ضلعِه على شبه حواء، يومَ كانَ كجدِّنا آدمَ في أولى سنواتِ الكيان، وفي كتابِ العدالةِ أنها تكلَّمَت في المهدِ صبيَّةً، رافعَةً صوتَها بالدفاع عن أمها طرابلس وعن شرف المهنة ومهابةِ القضاء وحقوق الشِّمالِ، في مواقفَ كثيرةٍ الْتَهَمَ وثائقَها اللهيب، وحفِظَت لنا بعضَها ذاكرةُ كِبارنا وصِحافةُ الوطن، وفي مُعْجَمِ الأزمنة أنَّ مرادفَ عمرِها “القرنُ” الذي عَدُّهُ مئةٌ من السنين، وأنها ستحُلُّ عمّا قليل في جَذْرِ مئةٍ أخرى، وهي ما بَرِحَتْ غَضَّةَ البيانِ في أوجِ ريعان الأوان، وفي لغةِ الأماكنِ أنها جمعَتْنا اليها من كلِّ حِضْنٍ وصوب، ودرَّبتنا جيلًا بعد جيل على مقارعةِ الباطل بالرأيِ والفعلِ الصّواب، فكانت على صورةِ طرابلُسَ التي استَدْعَتِ النهرَ من جيرةِ الأرز إلى ملحِ بحرها، وفتلَتْ لمائه الضفَّتَيْنِ ساعدَيْن، فإذا به بينَ حاراتِها “أبو علي”. ألا إنما هكذا يفعلُ المحامون، يمتشقون من اللين قسوةً مهذّبة، ومن الدَّعَةِ قوةً ناعمة، فهم حينئذٍ أقلامُ دفاعٍ عن الحقوق والكرامات، مغموسةُ الريشاتِ في محابرِ “السيرةِ الموحيةِ بالثقة والاحترام”.

وتابع قائلاً:” نقابةٌ على مدِّ العدالةِ وعمقِ المعرفةِ ورِفعةِ الخُلقِ الحسن، كتبَتْ لها الحِدْثانُ أن يذهبَ ميراثُ خمسينِها الأولى طُعْمًا لألسنةِ نارٍ أحرقَتِ السرايَ عام ستةٍ وسبعين وتسعمائةٍ وألف، وأن تكتوي خمسونُها الثانيةُ بلهيبِ حروبٍ متنقلة على وسعِ رقعةِ سلطانِها، وأن تظلَّ برغمِ هذا كلِّه راضيةً مرضيّة، بالحقّ حفيّة، وعلى الوحدةِ الوطنيةِ وصِيّة، فسلامٌ عليها يومَ أُنشئَتْ ويومَ أُحْرِقَتْ ويومَ تُطْفئُ شمعةَ المئويّة، وعهدًا يا نقابتي لا يُنْقَضُ له ميثاق: أن نقمِّشَ أصولَ تاريخِك الرّحيب، باحثين في مطاوي الصحف والمكتبات الخاصة والعامة، وحيثُ يُتاحُ لنا مصدرٌ أو مرجِع، كي نستنقذَ ما أمكنَ من تراثِك المفقود الذي نفخرُ به، ولو ظلَّ قَيْدَ الألسنة. كلُّ هذا برعاية كبارِنا شيوخِ الشباب وبإشرافِ من يلهثُ أمامنا عملًا فنلهثُ خلْفَه تعبًا، الأخِ العزيز النقيب محمد المراد الذي أدعوه إلى اعتلاء المنبر ليتلوَ علينا كلمةً في فحوى هذه المناسبة المتعددة المعاني”.

المراد

ثم ألقى النقيب المراد كلمةً جاء فيها :” مائة عامٍ على تأسيس نقابتِنا التي هي توأم لبنان الكبير، وإعلان انتماء طرابلس بمحاكمها ومحاميها وأهلِها إلى دولةٍ نشأت لكي تكون شرفةً للعروبة وموئلاً للحريةِ ورسالةً للعيش المشترك كما قال عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، في هذه المناسبة، التي تتضمن يوم المحامي بكل معانيه السامية،نفتخر بأن نستقبل في أولى فعاليات المئوية كبارَنا، وأن نكرّم قضاةً أخيارًا سلخوا من عمرهم وعلمهم ما يُذكرنا بهم وإن طال الزمن، فمناسبة اليوم يجتمع فيها قضاة خدموا في محافظة الشمال فأصبحوا جزءاً منها، وسكنوا في طرابلس فأصبحت مدينتَهم وإن طال فراقهم لها، الآن يعودون إلينا كأنهم لم يغادرونا أبدًا. فنرحب بهم بوسامتهم وشبابهم، فلا أثر للسنين على رونق أعمالهم وأحكامهم ووجوههم، ولكن يمضُّنا أنَّ الذكرى قد جاءت بغياب من لم ينتظرْها، مَنْ غادرونا وتركوا في نفوسِنا حزناً كبيرًا..”

وتابع قائلاً:” في هذه المناسبة نستذكر رؤساء أولين تداولوا هذا المنصب: أديب ناصيف، يوسف جبران، ألفرد الحاج، نديم عبود الذي أقسمت اليمين أمامه، ميشال تركية، فهم في نفوسنا باقون، ونستذكر هاني المولى، عبد الرزاق أديب، هاشم الحسن، وليد عيدو، ريمون عويدات، مصطفى المرعبي، نائل أديب، حسن أبو مرعي، سعيد عدره، توفيق جريج، جورج حيدر، منير عبد الله الذي أعطى معنىً عمليًّا لأنسنة القوانين أثناء توليه رئاسةَ محكمة جنايات الشمال، وطارق زيادة ابن النقابة الذي كان في مرحلةٍ ما، المتدرِّجَ الوحيد فيها، وأولَ من دخل معهد الدروس القضائية، وهو لم يترك محاضرة أو مناسبة نقابية إلا شاركنا فيها، ويواسينا أننا كرمناه قبل الغياب…

وأردف قائلاً:” فلنحوّل الحزن فرحاً، ولنشترك أيضاً مع زملائنا الذين قضوا أكثر من خمسين عاماً في خدمة هذه المهنة، ومنهم نقباء أجلاء لم يتوانَوا يوماً عن أن يكونوا جزءًا لا يتجزأ من النشاط النقابي، وما دعوتهم مرة أثناء ولايتي الاً كانوا نِعْمَ المرشدُ ونِعم الأخُ ونِعم الناصح، أحييهم وأحيي ذكرى النقباء المرحومين الذين توفاهم الله في السنوات الأخيرة عبدالله الشامي، حسن مرعبي، وجان حرب الذين نفتقدهم جدًا كما نفتقد سائر النقباء الراحلين في هذه المناسبة.

وأَضاف قائلاً:” ليس الاحتفالُ مناسبةً لتبادل المجاملات، بل لأخذ العبرة والاستفادة من الذكرى. ونحن في هذه المناسبة نقول: إن مئة عام على إنشاء نقابة محامي طرابلس، ومئةً وعامين على إنشاء نقابة محامي بيروت، لدليل كافٍ على أن العدالة لا تقبل أن تنتهك وأن الميزان لا يقبل أن يُخْسَر، لذلك نقول إن الانتظام القضائي هو أول شرط من شروط استعادة الدولة، وعليه فليكفَّ السياسيون وغير السياسيين عن التدخل فيه، فإننا نرفض رفضاً مطلقاً كلَّ محاولةٍ للاستباحة، فالقضاءُ ليس ساحةً للكيد ولا لتصفيةِ الحساب وليس وسيلةً من وسائل السلطة، وهذا يقودني إلى التأكيد على إيمان النقابة التاريخي بأن العلاقة بين القضاء والمحاماة مبنية على مبدأ الشراكة في تحقيق العدالة، وقد تجلت صورتُها بهيةً في السنوات الثلاث الأخيرة، بالرغم من صعوبة تلك المرحلة على مختلف الصعد، وذلك من خلال التفاهم والتفهُّم، بين النقابة وحضرة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومجلسه والرئيس الأول لمحاكم استئناف الشمال القاضي رضا رعد والسادة قضاة الشمال، الذين وبالمناسبة يعتزون معي بأن يكون بيننا قاض بدأ حياته القضائية في طرابلس وهو الآن وزير الثقافة، فهنيئًا للثقافة به وهنيئًا لنا بحضوره وأهلاً وسهلاً بمعالي الوزير محمد وسام مرتضى.

وختم النقيب المراد قائلاً:” مئة عام عبرت، أوجبت علينا أن نضع لنقابتِنا نشيدًا، أمر لم يفعلْه السالفون لكنهم لفتونا في هذه الفترة إلى أنه من غير المقبول أن يمر احتفال المئوية من دونه، فتولى الصديق العزيز والزميل الشاعر شوقي ساسين كتابة نشيد جميلٍ عن نقابة المحامين وعن طرابلس والمئوية، فوضع له لحنَه الأب نقولا مالك الكاهنُ الورِعُ والموسيقيُّ الرقيق، وتولى كورال الفيحاء توزيعَه وإنشادَه بطريقته الخاصة التي يحلُّ فيها الصوتُ البشري محلَّ الآلات الموسيقية وتريَّةً كانت أم إيقاعية، هذا النشيد سنستمع إليه لأول مرة إليه معلنين عن افتتاح الفعالية الأولى من احتفالات المئوية الأولى لنقابتنا، وذلك بدءًا بالنشيد وصولًا إلى الاحتفال المركزي” الذي سنقيمه بتاريخ 11/11/2021 الساعة 11، كل يوم محامٍ وأنتم بألف خير وعاشت العدالة ونقابة المحامين وعاش لبنان”.

خلف

ثم القى النقيب خلف كلمةً جاء فيها :” أن تتأسس نقابة المحامين في بيروت عام 1919، ، ونقابة المحامين في طرابلس عام 1921 ، وأن يتوسطهما إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 ، فهذا لم يكن بالتأكيد صدفةً إنما موعداً مع صناعة التاريخ ، فنقابتا المحامين في بيروت وطرابلس كانتا الرافد الأول لرجالات الدولة آنذاك ، وأول الذين آمنوا بهذه الدولة وساهموا في بناء مداميكها الأولى وما فتؤوا يعلون في البناء على مدار مئة سنة، وأن أقف اليوم خطيباً في مئوية نقابة المحامين في طرابلس – الشقيقة التوأم لنقابة المحامين في بيروت- فهذا مصدر فخرٍ واعتزازٍ وفرح، هذه النقابة التي تعاقب على سدة المسؤولية فيها تلّية الرجال الأبرار آباء المهنة ، الذين على سواعدهم وسواعد أشقائهم في بيروت بُني مجد المحاماة في لبنان”.

وتابع قائلاً:” ليست أشد رهبة من الكلمةالا حين تكون في حضرة أربابها، وكم نتهيب الوقوف في حظوة التاريخ الممتد لمائة سنة ، ضارباً في اعماق الفكر والتضحية والجرأة والاندفاع، وما الشيب الذي يعلو هامة النقابة التوأم من كبر . وإنما من كبر وعلو قامة، فتحية من العين الى العين في وجه واحد ، بل من الذات الى الذات في مسيرة لا انفصام فيها، فجميع العائلات تضم الكبار والصغار ، إلا عائلة المحامين فليس فيها سوى الكبار . ومخاض الكبار استلزم لولادة التوأمين سنتين، ومذاك فالطريق والسعي والهدف واحد، وليس صدفة ان يولد العاشق قبل المعشوق ، فتأسيس النقابتين قبل تأسيس لبنان الكبير ، كان كمن يجهز الشيف قبل الفارس ويعد القلم قبل القصيدة . وها إننا في خدمة لبنان سيف قاطع في كلمة الحق ، وقلمٌ ما بريناه باسناننا إلا لنتشبث بأجمل خلق الرحمن ، بوطننا لبنان، وليس ما آل اليه في هذا الزمن الرديء من صنع خالق او قدر ، وانما بسبب بعض من تولى زمامه ، وساس أموره ، ممن كانوا كالتوتياء البحرية : شوك كثير ومح قليل !”.

وأضاف قائلاً:” بين النقيب محمد المراد وبيني ، المراد واحد : لبنان في البدء ، لبنان الآن ، لبنان حتى إنقضاء الدهر ، عصي على التقسيم والتفتيت ، متمرد على التحجيم والتصغير ، صلب على المضغ ولو بأضراس من صوان، فمحمد المراد، العكاري المنبت، الطرابلسي الهوى، النقابي الإنتماء، الواقف كل ولائك لزملائك والناس، العديدة مآثرك الطيبة، المتفاني في العطاء، المندفع في صنع الحسنات، أنتهز هذا المناسبة لأحيّ الإنسان الذي هو أنت ، وكنته خلال السنتين التي ترافقنا بها في السراء والضراء ، الإنسان الودود اللطيف المحب المثابر، الوطني بإمتياز، فخلال السنتين التي مضت ، لم نهدر دقيقة من الوقت، ولم يمر حدث على الصعيد المهني أو النقابي أو الوطني إلا وكنا على تواصل دائم وتشاور بناء، وتعاون مستمر، وعلى أهبة اتخاذ كل القرارات المناسبة والدقيقة منها أحياناً، العديد من الظروف المشتركة جمعت بين النقابتين ومنها تفجير بيروت في مرفئها وهي جريمة العصر، وكارثة” التليل ” العكارية وهي غير مسبوقة ،وهما صفحتان سوداوان في تاريخ وطننا، نسعى بأكف المحامين البيضاء ، وسواهم من الذين نذروا أنفسهم في خدمة الوطن والانسان ، الى مسح الغبار الاسود عن التاريخ الأبيض، ففي النقابتين عودنا أنفسنا على التضحية ، حتى اعتاد العطاء علينا ، بعد أن أيقنا أن المستحيل لا يقيم إلا في مخيلة العاجزين، وقد اعتاد المحامون اليقظون، ألا ينتظروا السفينة عند الميناء ، بل هم يسبحون اليها مهما كان هياج البحر، ولا ننسى مقاربة قانون استقلالية القضاء ، حين انخرطت النقابتان في خضم العمل الدؤوب وعلى كل الصعد ، لنيل المتبقي – ولو تباعاً – في تحقيق استقلالية سلطة إن تلاشت أو ضعفت فقد لبنان ركيزة عدالته ، وهي مبرر وجود الأوطان التي تلتفت الى الأمام لتستمر في التقدم ، رغم ان استقلالية اي فرد أو مجموعة إنما هي كالايمان والسعادة لا تنبع إلا من الداخل، وسوى ذلك هو أطرٌ للتنظيم ليس إلا ، ونحن لا نتخلف عن شد العدالة الى رأس الجبل ، لأننا نقترب معها من القمة، ويدٌ بيد تابعت النقابتان قانون تقاعد المحامين ، يد تزرع ويد تسقي ولسوف تكون ايادي المتقاعدين في عرس أيام القطاف، فيا سعادة النقيب محمد، فاعل الخير خير منه ، وانتم فعلة أبراز في حقول الخير، فلا تهتموا بما يقال فيكم أو في حقول الخير، فالحساد والاحقاد لا تُخلق من العدم بل من عظمة عقولكم ، وإن الوحيد الذي سوف ينصفكم هو التاريخ وأنتم أسياده ونحن من أهل الصبر، وبعد الاهداف لا تنتظر الثناء أواخر الشهر ، فهو معقود لنا اواخر العمل . فإفعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئاً ، فإن صغيره كبير ، وقليله كثير، وتذكروا دائماً ان المحامين هم كأشعة الشمس تخترق القذارة دون أن تتسخ، فمبرورة هي أعمالكم في كل زمان ومكان ، وإني متيقن من تصميمكم على استمرار نضالكم من أجل المحاماة ولبنان ، في أي موقع تستقرون به “.

وأردف قائلاً:” يصادف هذا الحفل بدء السنة القضائية ، فيطيب لي في هذه المناسبة أن أخاطب القضاة كما خاطبهم معالي الصديق الحبيب النقيب رشيد درباس ، يومةَ كان نقيباً للمحامين ، خلال حفل إفتتاح السنة القضائية عام 2000 ، فقال ، والكلام له : ” … يتم إجتماعنا الراقي هذا وقد بلونا أزمة العدالة التي لن تحل أزمة الوطن إلا بحلها باعتبار العدالة هذه حجر الزاوية في أي نظام ديموقراطي صحيح ، لذلك أخطابك أيها القاضي المستقل بذاتك ، واتضامن معك حتى تصبح سلطتك مستقلة بحكم القانون ، لا بحكم مناقبيتك الشخصية فقط، وأخاطبك أيها الرازح تحت أثقال الملفات والضغوطات حتى يتخفف المواطن من ثقل الظلم ؛ وأخاطبك يا من اشتروا ساعات يومك كاملة براتب يتأكله التضخم وتنتاهبه أعباء الحياة وحاجات الأسرة والتعليم وثمن الكتب والمراجع قديماً قيل، قاض في الجنة وقاضيان في النار ، ولكنني لا أكون مفترياً على الواقع الراهن إذا قلت أن جلّ قضاتنا في الجنة بإذن الله ، ولكننا نخشى عليهم أن تلسعهم النار في الحياة لا في الآخرة ، وهذه النار أيها السيدات والسادة ، تلسعنا نحن معشر المحامين على قدم المساواة ، ويرتع لهبها في ردائنا الأسود طالما بقيت الأزمة مستفحلة ، وطالما بقي كهنة المعبد على قلق من الظروف والقواعد التي تخطاها الزمن التشكيلات والانتدابات والمعاشات والخوف مما هو آت ” فصدقت أيها النقيب العزيز ، منذ أكثر من عشرين سنة ، وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم ، بل كأن الظروف لم تتغير منذ ذاك الحين ، وكأن هذا القلق ، الذي ينتاب المحامين والقضاة في آن ، قرر أن يتربع كل مشاعرنا وهل من عدالة كاملة في انتشار هذا القلق في كل الأمكنة؟، فلنقف سوياً ومعاً يا حضرة الرئيس الأول سهيل عبود ، كي نطرد هذا القلق من صدورنا ونتصد لمسبباته الكثيرة المزمنة، فالناس تبحث عن أمل ضاع بضياع العدالة، وكلنا اليوم مسؤولون ،ومن العار أن تترك الأمور تتهاوى ! لن نترك العدالة تهوي ! ولن تهوي إن صممنا معاً على الصمود ! “.

وأضاف قائلاً:” إن رسالة المحاماة ، ومحبة لبنان ، والدفاع عن حرية أرضه واستقلال شعبه والإصغاء الى هموم الناس ، تجعلنا نحن نقابتا المحامين في لبنان نحيا في معركة مستمرة ، فلم تكن يوماً المسافات الجغرافية التي تفصلنا إلا مسافات إفتراضية ، وما نكتبه اليوم ليس إلا صفحة واحدة من كتاب كتبه الآباء والأجداد في النقابتين بالحبر والدم ، ونتابع كتابته مع أولادنا والأحفاد ، طالما هنالك حق مهدور يوجع كرامة الإنسان وحقوقه، فإن الانسان لا يموت حين يفقد قدرته على التنفس بل حين يفقد قدرته على السعي ، وكما أن النجاح ليس بعدم ارتكاب الاخطاء بل بعدم تكرارها ، فالفشل لا يقف عند باب الخسارة بل عند باب الانسحاب، ووطننا ينادينا ويستغيث بكل رأي وبكل عمل ومن افضل منكم في ذلك، ففتح الابواب أهم من دخولها ، لأنك ان تكون مُلهماً خير من تكون مستلهماً، والتوأمان على تاريخ واضح وناجح ، ومستقبل ثابت وواعد يلبيان نداء الوطن، فنحن لا نكسر المنبه اذا ايقظنا . ولن نيأس في مقاربة المصاعب الوطنية الخطيرة ، فإذا كانت الحياة قصيرة فإن المصاعب وحدها هي التي تجعلها طويلة وغير مملة”.

وختم قائلاً:” في صفات النقابتين أمل بالعلاج ، فلنا البعد القانوني والبعدين الوطني والإنساني ، وإننا لن نألو جهداً حتى يرتاح المواطن ويعتز الوطن ونسترد الدولة وتسمو دولة القانون، فنحن قوم نفكر بالاجيال القادمة وليس بالانتخابات القادمة، ونردد ما قاله يوماً الكبير ميشال شيحا : ” لبنان بلد صغير ، نعم ، وصغير جداً ، نعم ، ولكن ليس شعباً صغيراً بل متروك له أن يلعب لعبته الكبرى إن هو عرف نفسه ووعى رسالته ” ونقابتا المحامين في لبنان واعيتان لنفسهما ، وتعرفان رسالتهما ! فحيّاك الله وبيّاك نقابة المحامين في طرابلس في مئويتك الأولى، مئة سنة من العطاء وما مليت الكفاح،مئة سنة ولا تحملي أي علامات من علامات الشيخوخة والعجز ، بل كل علامات الشباب والإرادة الحرة، حيث تمثلين وجهاً رائعاً مشرقاً من وجوه لبنان الكبير وعنوان نهضة فكرية وحقوقية ووطنية، فتحية لك حملوني إياها محامو بيروت ، عابقة بالإخوة والمودة ! وهنيئاً لنا بك !

الخوري

ثم القى رئيس رابطة القضاة المتقاعدين القاضي أنطوني عيسى الخوري كلمةً يإٍسم القضاة المتقاعدين المكرمين جاء فيها :” يشرّفني أن أقف أمامكم اليوم، من على هذا المنبر المميّز في رحاب قصر العدل في طرابلس لكي نستحضر معاً في هذا اللقاء الجامع لأهل القانون صفحة مضيئة من تاريخنا بمناسبة إحتفاليّة اليوبيل المئوي لنقابة المحامين في طرابلس المتألّقة باستمرار في شتى الميادين، ولا سيّما في “نشاطها الثقافي”، وذلك بمرور مئة عام على إنشائها عام 1921.

وتابع قائلاً:” أتوجّه بإسمي وبإسم زملائي قدامى القضاة بالشكر الحارّ والتقدير العميق إلى حضرة النقيب الأستاذ محمد المراد وأعضاء مجلس النقابة الأعزاء الذين شرّفونا بهذا التكريم في هذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعاً، وذلك لتبوّء معظمنا سابقاً مناصب قضائيّة في لبنان الشمالي وفي قصر العدل في مدينة طرابلس الفيحاء الحبيبة، العريقة الضاربة في جذور التاريخ، وهي عاصمة لبنان الشمالي والعاصمة الثانية للبنان، والتي ينتشر فيها عدد كبير من الآثار العائدة إلى حِقب تاريخيّة قديمة، فإن صاحبة المئويّة الغرّاء كانت منذ نشأتها ولا تزال حتى أيّامنا هذه “حارسة الحق وحصناً منيعاً للديموقراطيّة والحرّيات”.

وأضاف قائلاً:” لا شك في أن القضاء والمحاماة يتكاملان، إذ إنهما يتشاركان في تحقيق العدالة التي يطالب بها المواطن، فهدف المحاماة هو تحقيق رسالة العدالة في كلّ القضايا، وذلك بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق بالوسائل القانونيّة كافّة للوصول إلى “الحقيقة” ليفصل بها فيما بعد القضاء الذي هو “الحجر الأساس لقيام دولة الحق والقانون” لأنه مؤتمن على ترسيخ مبادئ العدالة التي تساعد على تقدّم الحضارات ونموّها”.

وأردف قائلاً:” لقد انتفض شابات وشباب لبنان ضدّ منظومة الفساد في وطننا مطالبين بقيام دولة القانون والمؤسسات ورافعين شعارات الديموقراطيّة والإستقلال والحريّة والقضاء على الفساد، وهنا تبرز أهميّة بقاء لبنان “حصناً للحريّات في الشرق”، وإن ميزة لبنان هذه كانت في أساس إستمرار تقاليد إحترام التعدّد وقبول الآخر دون تفرقة أو تمييز، ويفترض هذا الأمر وجود دولة سليمة الإدارة وخاضعة للمساءلة، ممّا يستدعي تدخّل القضاء العادل والنزيه لتطهير مظاهر الفساد، وللوصول إلى هذا الهدف، وعملاً بنص المادة عشرين من الدستور اللبناني التي كرّست إستقلاليّة السلطة القضائيّة، يقتضي تحصين هذه السلطة بإقرار إقتراحات القوانين المتعلّقة بتلك الإستقلاليّة من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب بدءاً بتعديل المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي، بحيث تُحصر صلاحيّة إجراء المناقلات والتشكيلات القضائيّة بمجلس القضاء الأعلى، لأنه بإعتماده المعايير الموضوعيّة والعلميّة، هو المخوّل القيام بهذا الأمر من خلال إستناده إلى تقارير تعدّها هيئة التفتيش القضائي كي تضمن هذه التشكيلات الغاية المرجوّة، بحيث يكون القاضي المناسب في المنصب المناسب، ممّا يعزّز ثقة المواطن بالقضاء، وهذه الثقة هي معيار تقدّم المجتمع، خاصّة وإن معظم القضاة في لبنان يتمتّعون بالعلم والأخلاق الرفيعة التي تخوّلهم القيام بتأدية الواجب بإرساء العدالة، محصّنين بإستقلاليّتهم وحكمتهم وحريّتهم…

وختم قائلاً:” مثلما المياه مصدر كل حياة، فبدون الثقافة تبقى شجرة المجتمع، مهما علت وتفرّعت، مفتقرة للرونق والجمال. من هنا أهميّة الدور المميّز والعريق الذي تضطلع به نقابة المحامين في طرابلس، وهو دور أجادته على مرّ العقود والسنين، فيا حضرة النقيب وأعضاء مجلس النقابة الأعزاء، سيبقى الأمل بقيامة لبنان قريباً، بالرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها حالياً، ما دام فيه شخصيات كأمثالكم يُحسنون الأداء ويقدّرون الثقافة. أنتم النموذج الذي يجب أن يحتذى به لقيام مجتمع المعرفة لأن المعرفة هي السبيل الأفضل لبلوغ العدالة والحريّة والكرامة الإنسانيّة.

رعد

ثم كان للرئيس رعد كلمةً بإسم الجسم القضائي في الشمال جاء فيها :” من دواعي السرور ان نلتقي اليوم في رحاب نقابة المحامين في طرابلس في يوم المحامي محتفلين بمرور مئة عام على تأسيس هذا الصرح النقابي الذي نعتز به وبالعلاقة التكاملية بينه وبين القضاء والزملاء القضاة، هذه العلاقة التي ترتكز على الاحترام واتباع الاصول القانونية في سبيل إحقاق الحق وصون العدالة، ومن دواعي السرور أن نلتقي تكريماً للقضاة المتقاعدين الذين سبق لهم أن عملوا في الشمال وعكار، والمحامين الذين مرّ على ممارستهم مهنة المحاماة خمسون عاماً في زمن إستثنائي على كل الاصعدة”.

وتابع قائلاً:”إلتفاتة راقية في زمنٍ ضاع فيه الوفاء وقلّ الاصدقاء وأصبحت العلاقات بمجملها تنطلق من المصالح الشخصية دون الصالح العام ، واصبح النسيان سمة عامة لدى الناس الا من رحم ربي، انها شمعة تضاء في هذه الايام الصعبة لتلعن الظلام الذي نعيشه ، انها بارقة أمل في أيام اصبحت فيه أمال الناس تقتصر على القليل من الاحلام والطموحات”.

وأردف قائلاً:”بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس نقابة المحامين في طرابلس أنقل تهنئة وزير العدل القاضي هنري خوري الذي كان لي شرف تمثيله في هذا الاحتفال ورئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود الذي شرفنا بحضوره ، وبإسمي وبإسم زملائي قضاة محافظتي لبنان الشمالي وعكار أوجه التحية والتهنئة للنقابة نقيباً ومجلساً ونقباء سابقين ومحامين”.

وختم قائلاً:” في مئوية النقابة أعود بالذاكرة لأول يوم باشرت فيه عملي في قصر عدل طرابلس حيث استلمت مهامي من الرئيس عبداللطيف الحسيني بحضور نقيب المحامين يومها الاستاذ انطوان عيروت والنقباء السابقين، وبعد فترة وجيزة تم انتخاب النقيب الاستاذ بسام الداية وبدأنا العمل معاً يداً بيد فكانت مرحلة مثمرة ومنتجة من خلال التعاون الدائم بيننا ، واستمر هذا التعاون مع جميع النقباء الذين تولوا المسؤولية الى ان وصل النقيب الاستاذ محمد المراد حيث ورغم الظروف الصعبة التي نمر بها تمكنا من خلال التنسيق الدائم من متابعة كل الامور والحدّ ضمن الممكن من الثغرات، ويوم زارني وبرفقته الاستاذ شوقي ساسين واخبرني بتنظيم احتفالات مئوية النقابة وفكرة التكريم اقتصرت العمل بكلمة ” راق ” فالتكريم هو من شيم الكرام وهو يعبر عن الاخلاق الكريمة ، فالعلاقة بيننا كما سبق وذكرت تكاملية تحكمها الحكمة والدراية وأنا اردد دائما ان قضاة محافظتي لبنان الشمالي وعكار عائلة قضائية ، ختاماً نحن والنقابة والمحامين عائلة قانونية واحدة، فأعاد الله عليكم وعلى الوطن يوم المحامي بظروف افضل والله ولي التوفيق “.

الجسر

ثم القى معالي النقيب الأسبق سمير الجسر كلمةً بإسم المحامين المكرمين جاء فيها :” يسـعدني ويشـرفني هـذه المناسـبة الجامعـة بــين يـوم المحامي العالمي وبدء السنة القضائية ومئويـة نقابـة المـحـامين فـي طـرابلس أن القـي كلمـة بـاسـم المـحـامين المكـرمين ، وكـل مـنـهـم يـفـوقني يلاغةً وحكمةً وتجربـة، ويزيـد مـن سـروري أن هـذه المناسـبة التكريمية لم تقتصر على المحـامين الـذين مارسـوا المهنـة خمسـين عامـا، بـل ضمت تكـريم القضـاة الأجـلاء المتقاعـدين الـذين قضينا وإياهم الأيـام الطـوال ، بحلوهـا ومرهـا والـذين أكـدوا دائمـاً مـن خــلال مسـيرتهم القضـائية وسـيرتهم اليوميـة وبالتعـاون مـع نقابـة المحـامين بـأن كلانـا ، معشـر قضـاة ومحـامين ، إنمـا نسـعى للعدالـة وأننـا قضـينا عن حق جناحا العدالة “.

وتابع قائلاً:” لعـلّ أدق مـا قـرأت بمناسـبة اليـوم الـعـالمي، هو ما عبّر عنه الأمـين الـعـام لإتحـاد المحـامين العـرب النقيب ناصر الكريـويـن فـي يـوم المـحـامي العالمي حول التعاون بين القضاء والمحاماة حيث ورد : إن المحامـاة هي أسمى المهن التي عرفتهـا البشـرية، تنهض للدفاع عن المظلـومين ولتعزيـز وحمايـة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتسعى لتقديم العون الصادق للقضاة في إقامة العدل”، ولأن تجاربنـا نحـن المحـامين المكـرمين متماثلـة حـد التطـابق منـذ إنتسـاب كـلٍّ منـا الـى النقابـة حـتـى الـعمـل كمتـدرجين وحتـى الترفـع الـى جـدول الإسـتئناف فـي مكـاتـب محـامـاة كـان سـدنتها أسـاتذة كبـار يتحلـون بـالأخلاق الحميـدة وبـروح الخدمـة للمـهنـة ، وكـانوا يتعـاملون مـع زملائـهـم الـجـدد بـروح الأبـوة والأخـوة والزمالـة، لا يخفـون عـنهم علمـاً ولا يبخلـون علـيهم بتوجيـه أو نصـيحة، فكـانوا لـهـم قـدوة فـي آداب المهنة، فالمكاتـب كـانـت تسـودها روح الزمالـة بـيـن مـن سـبـق ومـن لـحـق ، يأخـذ أولـهـم بيـد آخـرهم ، مكاتـب كـانـت إذا ، إشـتـد عـود إبنهـا بعـد ترفعـه الـى جـدول الإسـتئناف ورغـب فـي الإسـتقلال وعـزم علـى تـرك المكتـب كـان أسـتاذه يتـرك فـي يـده مـفتـاح المكتـب كتأكيـد علـى روابـط لا تنقطـع وأن المكتب يبقى مكتبه يدخله حين يشاء، هكـذا كـان الـحـال فـي كـل مكـاتـب كبارنـا ، أسـاطين المحامـاة فـي زمـنهم ، الـذيـن سـبقونـا مـن أمثـال أمـين نوفـل وكمـال سـلهب والنقبـاء حميـد مـعـوض ومصـطفى ذوق وحسـني عطيـة وعـدنان الجسـر وسـامي ضـاهر وصـفا زودة وشـوقي الدندشـي ورينيـه غنطـوس وسعد الله شعبان وجان حرب وحسن مرعبي، رحمـهـم الله جميعـاً، وهكـذا كـان الأمـر أيضـاً فـي زمـن المكـرمين اليـوم مـمـن خلفهم من النقبـاء والمـحـامين الكبـار الـذيـن لـي مـع كـلٍّ مـنهم قصـة مـودة ومحبـة فـي الله ووفـاء وذكريـات بنتهـا العشرة والتواصـل الطيـب والتعاون”.

وأردف قائلاً:” ولأن تجاربنـا واحـدة ، فـإني اسـتأذنهم جميعاً بالاستشـهـاد مـن تجربتي التي تعكس الى حد كبير تجربة كل منهم، فقـد إنتسـبـت الـى النقابـة كمـا حـال أقرانـي المـكـرمين ، فـي الـزمن الجميـل، وكــان بيننـا نـحـن مـعشـر المحـامين ود كبير وتلاقي وتواصل قليلا ما كانت تشوبه شائبة، وكـان والـدي رحمـه الله نقيبـاً للمحـامين للمـرة الثانيـة وكـان رجـلاً مشهود له بالعلم والجدية وحسن الإدارة والحزم . وفـي اليـوم الأول لـدخولي المكتـب أجلسني على مقعدٍ أمام طاولته ومن دون إطالة أوصاني ببضعة أمور حكمت مدار حياتي، أوصـاني بالإبتعـاد عـن الـغـرور والإعتقـاد ولـو للحظـة واحـدة بـأنـي قـد ختمـت الـعلـم فـي أي مجـال مـن مـجـالات القانون، لأننـا والقـول له ، نبقى نتعلم حتى نموت، وأوصاني بأن الوكالة أمانة والتفريط فيها حرام وخيانة، وأوصاني بأن المحاماة رسالة يقتضي إحترامها وصونها، وأن الزمالـة كـنـز بـيـن كـل الـزملاء وبخاصـة بـيـن زمـلاء المكتب الواحد، وأفهمنـي بأننـا فـي مكتبنـا لا نقبـل وكـالـة مـن أب ضـد إبنـه أو العكـس، ولا نقبـل الوكالـة فـي دعـاوي بـين الأخـوة ولا نتوكـل ضـد جـار أو صاحب أو قريب، وكـان لزملائـي فـي المكتـب فـي فـتـرة التـدرج الكثيـر مـن الفضـل علـي فـي الـتعلم بـدءاً مـن حـضـور الجلسـات التـي بدأتها مع زملاء المكتـب الـذيـن كـانوا وحسب الأصـول المنصـوص المحـامين يقـدموني الـى رئـيس المحكمـة كزميـل جديد وكان الرئيس يُرحـب متمنيـاً لـي التوفيـق، لقـد تعلمـت مـن الـزملاء علـى أصـول كثيــرة وعلـى آداب المهنـة وبـالأخص بالتـأدب مـع الـزملاء وكـلاء الخصـوم، وتقـديم كبارنـا علينـا فـي الجلـوس فـي قـاعـة المحكمـة حـين تفـيض القاعـة بالحاضـرين مـن المحـامين، وكـان إنتظـار الـدور فـي قاعـة المحكمـة حسـب جـدول الجلسـات وسـيلة مهمـة للـتـعلم فـي أصـول المحاكمـات والتنبـه الـى يطـرأ فـي الجلسـات والتبصـر لتجنـب المفاجنـات المتأتيـة عن عدم التحضـيـر الجيـد للجلســات إبتـداء مـن قـراءة الملـف والإطـلاع على سـيـر الـدعوى، إضـافـة الـى مـا كنـا نتعلمـه مـن السـادة القضـاة في الجلسـات مـن آداب التعـاطي ، وأذكر حادثـة تـركـت أثـراً كبيـراً وتعلمـت منهـا الكثير، كنـت أنتظر دوري فـي محكمـة البدايـة التـي ان يرأسها في ذلـك الـحـيـن الـرئيس ميشـال تركيـة رحمـه الله، حضر أحد الـزملاء الجـدد جلسـة تخصّ المكتـب الـذي كـان يـتـدرج فيـه، ويبـدو أن الزميـل المبتـدىء لـم يـقـراً الملـف وأن الـذي كلفـه بالحضـور لـم يطلعـه علـى مسـار الـدعوى ومـا يفتـرض بالمتـدرج أن يفعـل أو يطلـب، ولمـا سـألـه الـرئيس تركيـة عـن طلبات لـم يتفـوه الزميـل بشـيء وبـدا عليـه الإرتبـاك، فأدرك الـرئيس تركيـة الوضـع فـمـا كـان منـه إلا أن أملـى علـى كـاتـب الضـبط بمـا مـعنـاه وهنـا طـلـب الأسـتاذ من المحكمـة إمهالـه للإطـلاع علـى المـلـف، وعاجـل الإسـتاذ المتـدرج بـالقول مـا هـيـك يـا أسـتاذ، فأومـا الزميـل برأسـه موافقـاً وبعـد أن حـدد الـرئيس موعـدأ قريبـاً للجلسة حنـى برأسـه مـن وراء القـوس علـى الزميـل بعـد أن طلـب الـيـه أن يقتـرب مـن القـوس وهمـس لـه بصـوت خافـت جـدأ يـا أسـتاذ فـي المـرة القادمـة عليـك أن تقـرأ الملـف وتعـرف المهمـة المكلـف بـهـا قبـل حضـور الجلسـة، كـان المشـهـد قمـة فـي الأخـلاق وحسـن التعـاطـي ممـا كـان يـعـرف عـن الـرئيس تركيـة وكـان درسـاً لنـا فـي تجنـب المفاجـآت وحسـن التـعـاطي مع أطراء العود من الزملاء الجدد من دون كسر خاطر، حتـى أن الإنتظـار فـي أروقـة المحكمة بانتظـار مناداتنـا بواسـطة المباشـر ، كـان وسـيلة لتعزيـز التواصـل بـيـن الـزملاء مـن خـلال تبــادل الأخبـار والمناقشـات القانونيـة وتنــاول الشـجون الهنيـة وحـتـى تبــادل طرائـف المـهنـة، وكـان هنـاك مـن لا يـوفـر مـن طرائفـه أحـداً مـن الـزملاء أو مـن القضـاة ولا حتـى نفسـه مـتـى حبـكـت القصـة، كـان هنـاك دفء فـي التواصـل بالحضـور لا تـوفره وسـائل التواصـل الإلكترونيـة الحديثـة اليوم، وكـان التواصـل ينتقـل الـى المنــازل فـي زيـارات عائليـة ، يسـوده الكـلام الطيـب الـذي يـؤتي أكلـه فـي كـل حـيـن ، كـلام طيب لا يخلو من الدعابة لكن من دون تجريح “.

وتابع قائلاً:” كـان التعـاون بـيـن المحـامين والقضـاة كبيراً وكـان الإحتـرام متبــادلاً، وإن كـان الأمـر لـم يـخـلـو مـن بـعـض حـوادث الجلسـات إلا أن الأمـر كـان يـُحـتـوى ويحـل وبسـرعة بـين حكمـة النقيـب الممـارس وحكمـة وتعـاون الـرئيس الأول بمـا لا يمـس بكرامـة المـحـامي ولا بهيبـة القاضـي وكرامتـه وفـي إطـار العـدل، ولعـل المكرمـون مـن الرؤسـاء الأول ومن النقباء خير الشهود الأحياء على هذا التعاون المثمر، فقد كـان معظـم قضـاة محافظـة الشـمـال مـن خـارج الشـمال ، وفـي زمـن مـا قـبـل الـحـرب الأهليـة كـان القضـاة يقطنـون فـي إطـار المحكمـة التـي يـعمـلـون فيهـا وإذ كـانوا يجلسـون يـومـين فـي الأسـبـوع كـانوا يحضـرون بشـكـل يـومـي الـى مكـاتبهم ، ينجـزون أعمـالهم ويخصصـون يومـاً لمراجعة المحـامين، كـان فـي ذلـك راحـة لـهـم مـن عنـاء الإنتقـال ومخـاطره وكـان عنصـر إسـتقرار لـهـم وللعمـل القضـائـي ووسـيلة إنجـاز، ولا أدري إذا كـان السـكـن فـي إطـار المحكمـة كـان معمـولا بـه فـي حيـنـه بموجـب نـص قـانونـي فـاتني الإطـلاع عليـه، إلا أننـي تـأكـدت أن القـانون الفرنسـي يلـزم القاضـي بالسـكـن فـي إطـار المحكمـة التـي يعمـل فيـهـا، وأملـي أن نصـل الـى ذلـك اليـوم الـذي يـؤمن الكثيـر مـن الراحة والإستقرار للقاضي وللتقاضي”.

وأضاف قائلاً:” نـحـن معشـر المحـامين نـعلـم تمـامـا أهميـة القضـاء وتعزيـزه وإسـتقلال القضـاء، وإن إسـتقلال القضـاء مرهـون بإسـتقلال القاضـي والدسـتور يؤكـد علـى ” إسـتقلال القاضـي فـي إجـراء وظيفتـه “، وإن كنـت أعتقـد أن القـوانين الحاضـرة كافيـة لتـأمين إسـتقلال القضـاء، وإن إسـتقلال القاضي مسـألة تتعلـق بشخصـه لا بـالنص القـانوني ، فلأنـي أؤمـن بأنـه مـهـمـا عـدّلنـا فـي القـوانين وعززنـا مـن الحمايـات للقاضي فإنـهـا كلهـا تبقـی حبـراً علـى ورق إذ لـم يكـن القاضي يتمتـع بـروح مستقلة، والكـلام عـن الـتحكم بـإرادة القاضـي مـن خـلال التشـكيلات واهٍ … فـالى أي مكـان يشـكل اليـه القاضي فهـو يمـارس نفـس العمـل سـواء فـي بعبـدا النبطيـة أو طـرابلس أو بعلبـك أو أي مكـان آخر، ومـع ذلـك فـإن القـانون القـائـم وفيمـا خـص صـلاحية التشـكيلات، والـذي كـان لي زمن التـولي وزارة العـدل شـرف التقـدم بمشـروع القـانون ، فهـو يعطي في النهايـة الصـلاحيات لمجلـس القضـاء الأعلـى بالنص القـانوني بعـد تأكيـده علـى التشـكيلات بثمانيـة اصوات مـن أصـل عشرة ، فكيـف إذا ذلـك بالإجمـاع ، وإن مـوقفي فـي هـذا المـجـال واضـح وصـريح وأعلنتـه كمـا تـذكرون بكتـاب مفتـوح الـى فخامـة الـرئيس بينـت فيـه خطـأ المستشـارين وأن صـلاحيات الـوزير أو رئـيس الجمهورية في هـذا المجـال صـلاحيات مقيـدة، ولـم أتكل عـن هـوى بـل عـززت كلامـي بمـا يكـفـي مـن إستشـهادات ومـن فقه وإجتهــاد، ولا صـحة للقـول بـأن مـن يملـك التوقيـع يملـك القـرار، فلقـد حـدث أمـر مشـابـه فـي فرنسـا حـيـن كـان ميتـران رئيسـاً للجمهوريـة وفـاز شيـراك وحزبـه بأكثريـة مطلقـة حمـلـت الـرئيس ميتـران علـى تكليـف الـرئيس شيــراك بتـأليف الحكومة، وسـمي الزمن في حينـه بالمسـاكنة، وفـي وقتهـا حـاول ميتـران التمنـع عـن توقيـع القـوانين والمراسـم فـي محـاولـة الضـغط علـى شـيراك فجـاءت إستشـارة المجلـس الدسـتوري بـأن صـلاحية الـرئيس فـي التوقيـع علـى المراسـيـم وإصـدارها هي صـلاحية مقيدة لا خيار له فيها ، وإن كـــان الـبعض يخشى من تدخل السياسة، وهذا واقع صـحيح، الا أن الأصـح هو أن السياسي لا يستطيع شـيئاً أمام قاضي يرفض عن حق مايرفض، ومع ذلك فإننـا نـسـعى ومـن خـلال لجنـة الإدارة والعدل بإحـداث تعـديلات قانونيـة نعتقـد بانـهـا سـتزيد مـن ضــمانات القاضـي وتعـزز إسـتقلاليته ، وإن الجهـد المبـذول فـي هـذا المجـال كـان كبيـراً جـداً حتـى توصـلنـا الـى تحضـير مـشـروع أولـي شـارك فـي تحضـير أفكـاره كـل مـن أعضـاء اللجنـة ووزارة العـدل ومجلـس القضـاء الأعلـى ونقـابتي المحـامين وجمعيـات المجتمـع المـدنـي ونـادي القضاة، حتـى إذا مـا وضعت صـياغة المشـروع الأولـى أعـدنا عرضـهـا علـى كـل مـن ذكـر لوضـع ملاحظـاتهم عليـه، ونحـن الآن بصـدد القـراءة الأخيـرة علـى ضـوء هـذه الملاحظـات، ونأمـل إنجـاز الأمر في القريب العاجل القضـاة “.

وتابع قائلاً:” إن كنا نخشـى عـن حـق مـن تـدخل السياسـة بمـا قـد تحملـه مـن ضـغط علـى القضـاء والقاضـي فـإني أخشـى مـا أخشـاه هـو الضـغـط الـذي يمـارس اليـوم مـن خـلال التظـاهرات وبعـض الإعـلام بـمـا يـسـتبق الأمـور مـن إتهـام ويسـتبق مـن أحـكـام فـي مـا يـسـمـى بقضـايـا الـرأي العـام لأن هـذا الأمـر إذا مـا إستشـرى فهـذه وسـائل ضـاغطة أشـد خطـورة مـن التـدخل السياس وقـد يسـتعملها الضـحية والجـلاد، والمطلـوب أن نحصّـن القاضـي مـن أي ضـغـط حـتـى لـو كـان نبـيلاً ، لأن علـى القاضـي أن يقرر ما يمليه عليه ضميره في إطار القانون فقط، كمـا أن علـى القاضـي التقيـد بأحكـام الدستور والقـانـون فـإن أي نـوع من التهديـد والوعيـد لأي قاضـي فـي أي مجـال وفـي أي موقـع أمـر مرفـوض ومـدان ولا مجـال للسـكوت عنـه وهـو يشـكـل مصـادرة للعدالـة ويقع تحت طائلة القانون”.

وختم قائلاً:” إن المشـكلة الحقيقيـة لكـل الأزمـة السياسـيـة التـي نعيشـها في هذا البلـد هـو عـدم تطبيـق الدسـتور والقـوانين بـل وتجـاوزهم جميعـاً، وإننا معشـر القضـاة والمحـامين نحمـل المسـؤولية الأكبـر فـي السـكوت علـى تجـاوز الدسـتور والقـوانين أو المسـاهمة فـي ذلـك، ولا يخفـى أحـد منـا هـذا الجنـوح المستشـري لتجـاوز القـانون والصـلاحيات سواء بين السلطات المختلفة أو من ضمن السلطة الواحدة، ختامـاً أتوجـه بالشــكر الجزيـل لنقابـة المحـامين فـي طـرابلس التـي إخـتـارت لنـا التـكـريـم، وأسـأل الله سـبحانه وتعـالى أن يحمـي لبـنـان مـن كـل يبقى فيه ميزان العدالة معتدلاً وأن تبقى راية العدل خفاقة . وأن والسلام عليكم

وثيقة قرار إنشاء نقابة للمحامين في طرابلس

وللمناسبة سلّم النقيب خلف للنقيب المراد وثيقةً تاريخية، وهي أصل القرار الصادر بتاريخ 6 كانون الأول 1921، والذي قضى بإنشاء نقابة للمحامين في طرابلس وبتعيين اول نقيبين فيها المغفور لهما الاستاذين رشيد طرابلسي وعبد اللطيف غلاييني، بعد أن بقي هذا المستند في أرشيف المحامي موسى أسعد خوري، عن جده المحامي موسى يوسف خوري الذي كان أحد الأعضاء الستة في أول مجلس نقابة للمحامين في طرابلس.

ليختتم الإحتفال بتكريم الرؤساء الأول : فؤاد ضاهر، أرز العلم، حسن الحاج، عبد اللطيف الحسيني، رضا رعد، والقضاة: ميشال ابو عراج، عصام ابو علوان، غسان ابو علوان، رياض ابو غيدا، رفول البستاني، عبد الله البيطار، اسعد جدعون، عبد الله الحاج، منيف حمدان، عمر حمزة، سمير حمود، فيصل حيدر، خالد زودة، البرت سرحان، ميشال سركيس، سليم سليمان، كنج سليقة، جوزيف سماحة، اليس شبطيني، وليد شعبان، نبيل صاري، جوزيف صفير، انطوان ضاهر، البير ضوميط، نعيم الطبشة، نزيه عكاري، ابراهيم علام، رستم عواد، أنطوني عيسى الخوري، محمد عويضة، جان عيد، وليد غمرة، جورج بديع كرم، صلاح مخيبر، فايز مطر، جهاد الوادي، ونبيل وهبة، والنقباء : سمير الجسر، جورج طوق، رشيد درباس، عبد الرزاق دبليز، خلدون نجا، جورج موراني، والمحامين : عمر مسقاوي، محمد وجيه البابا، رياض الجسر، جورج جلاد، روني عازار، مصطفى علم الدين، نزيه غنطوس، عبد الحميد فتال، محمد بسام كبارة، فكتور مكربل، عمر المنلا، محمد ضرار اليوسف

كما تمّ تقديم درع تكريمي للرئيس سهيل عبود عربون تقدير وشكر لمسيرته في تحقيق العدالة.


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal