في الوقت الذي تغزو فيه الشائعات التي تُفبرك في الغرف السوداء البلاد بطولها وعرضها، تارة حول إعتذار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أو ضرب مواعيد له، وتارة أخرى عن مطالبة الدول لرعاياها بمغادرة لبنان، وطورا بطرح سيناريوهات من نسج الخيال حول مخططات أمنية وتجنيد أشخاص للقيام بأعمال إرهابية في ظل تراجع دور الجيش والقوى الأمنية بفعل الأزمة الاقتصادية، تبدو البلاد في حالة تخبط غير مسبوق وأسيرة مجموعات غوغائية تتركز تحركاتها على زيادة معاناة اللبنانيين وقتل كل أمل لديهم بإمكانية الخروج من النفق المظلم الذي يتخبطون فيه.
يبدو واضحا، أن المتضررين من تشكيل الحكومة ومن وقف الانهيار وهم كثر، لا يتركون مناسبة إلا ويستغلونها لتسميم الأجواء ومحاولة ضرب كل إمكانات التوافق حول الحكومة، لتحقيق أهدافهم في الوصول الى الارتطام الكبير وما ينتج عنه من فوضى شاملة ينفذون من خلالها أجنداتهم المشبوهة التي تتعارض مع كل الآليات الدستورية التي تبدأ بتشكيل حكومة توقف الانهيار وتتولى إجراء الانتخابات النيابية التي من شأنها إعادة تكوين السلطة من جديد.
يمكن القول إن أكثرية المناطق اللبنانية باتت أسيرة شريعة غاب تتحكم بها، ويترجم ذلك بعودة ما كان يُعرف بقوى الأمر الواقع التي تفرض وجودها في محطات المحروقات وفي الأفران وإشتراكات الكهرباء والصيدليات، وفي الشوارع والأحياء حيث الاشكالات المتنقلة والتصفيات الجسدية، وإطلاق الرصاص العشوائي على مدار ساعات النهار والليل ليحصد الأبرياء بين قتيل وجريح.
في غضون ذلك، إستعادت مفاوضات تشكيل الحكومة زخمها، بعد الأجواء السلبية التي تم تسريبها أمس الأول وروجت لها وسائل إعلام مختلفة بتوجيهات سياسية ما أدى الى مزيد من التوتر في الشارع على وقع الشائعات التي لم تهدأ، في حين أن كل المعلومات تؤكد بأن التباين الحاصل بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي حول بعض الأسماء هو أمر طبيعي، خصوصا أن المرحلة الأخيرة التي بلغتها عملية التأليف تعتبر الأصعب في ظل محاولة كل طرف إخراج الحكومة بالصورة التي يراها مناسبة.
لا شك في أن الموقف المتشدد للرئيس ميقاتي حيال بعض الأسماء المطروحة لحقائب أساسية، أعاد تصويب البوصلة، لا سيما مع مبادرة رئيس الجمهورية الايجابية التي أكد من خلالها إصراره على تشكيل الحكومة ورفضه إعتذار الرئيس المكلف ونفيه السعي الى الحصول على الثلث المعطل، في حين رد الرئيس ميقاتي التحية بأحسن منها وأكد الاستمرار في مسعاه بتشكل الحكومة، وهو لبى دعوة عون الى قصر بعبدا للتشاور حول الأمتار الأخيرة من مسيرة التأليف على أن تستكمل هذه المشاورات اليوم بهدف الوصول الى القواسم المشتركة المنشودة.
ربما من الصعوبة بمكان أن تهضم بعض التيارات السياسية سلوك الرئيس ميقاتي في تشكيل هذه الحكومة، كونه يخالف كل المعايير التي كانت تتبع في السابق، إنطلاقا من قناعته بأن الظرف الاستثنائي الخطير الذي يرزح لبنان تحت وطأته يحتاج الى حكومة إستثنائية بشكلها ومضمونها قادرة بفريقها الوزاري المتخصص والمنسجم على وقف الإنهيار وتذليل بعض الصعوبات التي تعترض حياة الناس وإجراء الانتخابات النيابية، وحكومة من هذا الطراز لا يمكن أن يكون فيها جوائز ترضية لهذا التيار أو ذاك، أو هدايا إنتخابية لهذه الجهة أو تلك، خصوصا أن لبنان اليوم يقف على مفترق طرق هو الأخطر في تاريخه الحديث، فإما السير بحكومة ميقاتية تنفذ المهمة المكلفة بها، أو ترك البلاد لقوى الأمر الواقع ولشريعة الغاب.
مواضيع ذات صلة: