طرابلس مخطوفة.. إما التصدي للفلتان وإلا فالآتي أعظم!… غسان ريفي

لم يكن لائقا مشهد عناصر الجيش اللبناني وهم ينظمون حركة السير الخانقة على الطريق البحرية في طرابلس، بينما تقوم مجموعة من الشبان والفتيان بقطع الطريق عند جسر البالما تحت أنظار زملائهم من العسكر من دون أن يحركوا ساكنا لاعادة فتحها وفك الحصار الذي بدأ يضيق على المدينة وأهلها.

ولم يعد جائزا من الأجهزة الأمنية على إختلاف إختصاصاتها أن تلتزم مكاتبها وثكناتها تاركة أمر طرابلس لبعض “الزعران” الذين يعيثون فيها إعتداءات وسرقات وسطو مسلح وإشكالات مسلحة وإطلاق نار عشوائي على مدار ساعات النهار من دون أن تتخذ قرارا بالمواجهة والتصدي وضبط الأمن المتفلت من محطات الوقود التي تحولت مرتعا لبعض الشبيحة مرورا بالأفران والصيدليات وصولا الى مختلف المناطق التي لم يعد أحد من المواطنين يأمن على نفسه جراء هذا التفلت الذي يسيء الى طرابلس وأهلها وعاداتها وتقاليدها.

هي المؤامرة على طرابلس تتوالى فصولا، وربما يجوز القول إن الطرابلسيين بمختلف إنتماءاتهم وفئاتهم الاجتماعية يشاركون فيها بإنكفائهم وتخليهم عن دورهم في تحصين مدينتهم وصولا الى حمايتها، خصوصا أن ما يحصل على مدار ساعات النهار من إنتهاكات بحق المدينة وأهلها كفيل بإحداث كارثة لا أحد يعلم كيف ستكون تداعياتها، خصوصا أن كثيرا من التيارات والجهات تتربص شرا بطرابلس، وتتحين الفرص لتشويه سمعتها أو إلباسها قناعا ليس لها.

لا شك في أن الأزمات على إختلافها تعم كل لبنان، وطوابير الذل على محطات المحروقات والأفران تمتد من النهر الكبير شمالا الى الناقورة جنوبا، لكن ذلك لم يؤد الى حالة هستيريا كتلك المسيطرة على طرابلس من قبل العديد من الموتورين والغوغائيين ومعظمهم من خارج المدينة والذين يقدمون أبشع الصور عن الفيحاء ومدينة العلم والعلماء التي لم تشهد في تاريخها همجية من هذا النوع أو فلتانا أمنيا بهذا الشكل.

لم يعد خافيا على أحد أن طرابلس تتعرض لتفريغ ممنهج من مؤسساتها ومن مرافقها يهدف الى تصحيرها بما يسهل إستخدمها في بعض المخططات المشبوهة، فبعد الصورة المشرقة التي قدمها الطرابلسيون في ثورة 17 تشرين ما دل على حضارتهم وأخلاقهم، بدأت المدينة تتعرض لسلسلة غزوات متلاحقة تهدف الى مضاعفة صعوباتها وأزماتها، فكانت غزوة إحراق المصارف التي يدفع الطرابلسيون ثمنها لغاية الآن بإقفال فروع لمصارف وتسريح موظفيها وبعدم وجود صرافات آلية خلال فترات الليل ما يضطرهم للانتقال الى الأقضية المجاورة لسحب حاجتهم من المال.

ثم كانت غزوة إحراق السراي التي بات الدخول إليها أشبه بالمهمة المستحيلة في ظل تقصير فاضح من قوى الأمن الداخلي التي كان يفترض بها إيجاد طوق أمني حولها يبقيها بعيدة عن أعمال الشغب التي وصلت الى حد إحراق أبوابها.

ولا ينسى الطرابلسيون غزوة إحراق المحكمة الشرعية، وكذلك البلدية التي ما تزال أكثرية دوائرها ومصالحها معطلة نتيجة التأخير غير المبرر في إعادة ترميمها وإعادتها أفضل مما كانت عليه.

واليوم يبدو أننا أمام غزوة ضرب محطات الوقود في طرابلس والتي بدأت تتعرض للاعتداءات المستغربة بهدف تهجيرها أيضا، فضلا عن غزوات إطلاق النار المتواصل وترويع الآمنين في المدينة وتعريضهم لمخاطر الرصاص لطائش، والأسوأ من كل ذلك قطع الطرقات الداخلية وإشعال الاطارات ومستوعبات النفايات وكذلك عند المداخل في البحصاص وجسر البالما والبداوي، على مرأى من الجيش والأجهزة الأمنية، ما يؤدي الى إلحاق ضرر كبير بالطرابلسيين الذين يحاصرهم يوميا الدخان الأسود ويخنقهم في ظل حرارة الطقس اللاهبة، ويعطل مصالحهم ويمنع الزوار عن المدينة وصولا الى عزلها عن محيطها.

كل هذه التحركات لا تجدي نفعا هي لزوم ما لا يلزم، كونها لن تبدل شيئا من الواقع، فهي بعيدة عن مواقع القرار وليس لها أي تأثير وربما لا يشعر بها أي من المسؤولين في الدولة، بل هي تضر فقط بطرابلس التي تبدو مخطوفة، وترسم علامات إستفهام حول الأجندات التي يريد قطاع الطرق والمخلين بالأمن تنفيذها والرسائل التي يريدون إيصالها على حساب أبناء طرابلس.

طفح الكيل في طرابلس، فالمدينة معروفة بتسامحها وإنفتاحها، لكنها لن ترضى بأي شكل أن تكون مستباحة بهذا الشكل، وبالتالي على وزير الداخلية بالدرجة الأولى أن يتحمل مسؤوليته حيال الفلتان الأمني بتفعيل الحضور الأمني ليلا، وعلى الجيش الذي تعيش طرابلس في كنفه والذي يبذل مشكورا جهودا جبارة أن يمنع الضرر عن المواطنين بقطع الطرقات وإطلاق النار الذي تحول خبزا يوميا، وعلى الطرابلسيين أن يرفعوا الصوت رفضا لممارسات لا تشبهم وتسيء الى مدينتهم وأن يسارعوا الى حمايتها، وإلا فإن الآتي اعظم!.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal