يبدو أن لبنان لم يعد يحتمل مزيدا من التشاور حول الحقائب الوزارية وإسقاط الطوائف والأسماء عليها والتوافق على الوزارات السيادية تمهيدا لتشكيل الحكومة العتيدة، خصوصا أن النيران بدأت تتمدد أمنيا وإجتماعيا وإقتصاديا وإنسانيا، ومن شأنها أن تأكل الأخضر واليابس في حال خرجت عن السيطرة كما بات واضحا، ما يتطلب مبادرة رئاسية سريعة تذلل العقبات وتعيد بعضا من الأمل الى اللبنانيين.
على وقع أحداث خلدة الدامية، وعشية ذكرى زلزال 4 آب وما يمكن أن ينتج عنها من تداعيات على الصعيد الشعبي، يُعقد بعد ظهر اليوم اللقاء الرابع بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، حيث من المفترض أن يبدأ البحث الجدي في الأمور الخلافية حكوميا، لا سيما تلك المتعلقة بالمداورة في الوزارات السيادية، وسط أجواء تتأرجح بين التفاؤل بإمكانية التوافق إنطلاقا من إيجابية الرئيس المكلف وبين التشاؤم إنطلاقا من المواقف السلبية تصريحا وتلميحا لأركان العهد.
بات معلوما، أن أول عناوين الخلاف هي وزارة الداخلية التي يريدها رئيس الجمهورية ضمن حصته، بينما يصرّ الرئيس المكلف على أن تكون في عهدة وزير سني مستقل غير إستفزازي يسميه الى جانب شخصية مماثلة مسلمة كانت أو مسيحية في وزارة العدل، خصوصا أن هذه الحكومة ستشرف على الانتخابات النيابية التي ستكون في حال حصولها تحت المجهر الدولي، وبالتالي فإن أي خلل فيها بفعل هاتين الوزارتين من شأنه أن يسيء الى الحكومة ورئيسها الذي من حقه أن يُبعد كأس الاتهامات وتوجيه الانتقادات إليه، أو أن يتحمل أمام العالم أجمع مسؤولية خيارات رئيس الجمهورية وفريقه السياسي.
كما أن التوافق على إبقاء وزارة المالية في عهدة الثنائي الشيعي يحول دون إعتماد المداورة في الحقائب السيادية، وهي إما أن تكون شاملة أو أن تبقى على حالها أي الدفاع والخارجية للمسيحيين والمالية والداخلية للمسلمين، وهذا الأمر أكده النائب جبران باسيل الذي رفض بشكل قاطع إبقاء المالية مع الشيعة في حال حصول المداورة مهددا بمقاطعة الحكومة وعدم إعطائها الثقة، وهو أمر منطقي لا يختلف عليه أحد، باستثناء رئيس الجمهورية الذي حصل على “فتوى” من “مفتي” القصر الجمهوري تقضي بإجراء نصف مداورة فقط بين الداخلية والخارجية، أو مداورة لثلاث حقائب من دون المالية، ما يؤكد أن صيغة وضع العصي في دواليب قطار التأليف ما تزال معتمدة إنطلاقا من عناد شخصي ومصلحي غير مبرر ولا يخدم تأليف الحكومة.
ربما يمارس الرئيس عون عنادا على الشخص الخطأ، فالرئيس ميقاتي لم يقبل التكليف للحصول على مكسب أو لقب، فهو سبق وترأس الحكومة مرتين ونجح من خلالهما في نقل البلاد من ضفة الى أخرى، كما يتمتع بالحضور السياسي الوازن والتمثيل السني الواسع، لذلك، فهو اليوم يأتي في مهمة إنقاذية صرفة بدعم دولي وإقليمي وأكثرية وطنية من أجل وقف تمدد النيران، وإستعادة الثقة التي تفضي الى إحياء المساعدات، وبالتالي فإن تعطيل مهمته أو الحؤول دون إنجازها يعتبر جريمة بحق البلاد والعباد.
نقول مصادر سياسية مواكبة: إن عدم تسهيل مهمة الرئيس ميقاتي لتشكيل الحكومة التي تريدها الدول المعنية في لبنان، يعني أن عهد ميشال عون سيقفل من دون حكومة مع ما يمكن أن يحمل ذلك من زلزال جديد ناتج عن الارتطام الكبير..
مواضيع ذات صلة: