لطالما توهم المسؤولون اللبنانيون أن العالم كله يهتم بلبنان، وأن قادته لا ينامون لياليهم قبل أن يطمئنوا على هذا البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه، الكبير جدا بأزماته وخلافاته وحساسياته السياسية والطائفية والمذهبية.
هذا الوهم الذي يكبر في رؤوس بعض أركان السلطة، يقودهم الى غطرسة سياسية وشروط تعجيزية ظنا منهم أن كثيرا من قادة العالم سيسارعون الى تلقفها وقيادة مفاوضات أو مشاورات حولها لتقريب وجهات النظر والوصول الى حلول توافقية.
لذلك، غالبا ما يربط المسؤولون السياسيون مصير لبنان باستحقاقات إقليمية ودولية تكاد لا تضعه في حساباتها ولا تقيم له وزنا، إلا أن فشل السلطة اللبنانية يدفعها الى تكذب على نفسها أولا وعلى شعبها ثانيا بتعليق عجزها وتعنتها وسعيها وراء المكاسب والمصالح على “شماعة” هذه الاستحقاقات، كما أنها تكذب بإيهام اللبنانيين بالسعي الى حل بعض أزماتهم.
منذ إستقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وتكليف الدكتور مصطفى أديب وإعتذاره ومن ثم تكليف الرئيس سعد الحريري الذي ما يزال الى اليوم غير قادر على التأليف، والقيادات اللبنانية تربط مصير الحكومة اللبنانية المنتظرة بإستحقاقات مختلفة، وتنسج حولها قصصا وروايات وتحليلات وتخيلات حتى يظن اللبنانيون المعلقون على حبال الهواء أن الفرج سيأتيهم بعد هذه الانتخابات أو تلك أو هذا اللقاء أو ذاك.
إنتظر اللبنانيون بفارغ صبر إنتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدما إقتنع بأنه يمنع تشكيل الحكومة ويشاغب على المبادرة الفرنسية ويمنع تمثيل حزب الله، فغادر ترامب البيت الأبيض ولن يغادر التعطيل الملف الحكومي.
سارع المعنيون الى ربط تشكيل الحكومة بتنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن ودخوله الى البيت الأبيض، وكأن بايدن مع أول صباح له من ولايته وقبل أن يرتشف فنجان قهوته في مكتبه البيضاوي سيسأل عن الملف اللبناني ويعمل على مصالحة ميشال عون مع سعد الحريري ويرعى تشكيل الحكومة، وهو حتى الآن لم ير أو يسمع بلبنان لولا الاجتماع الأخير الذي عقد بين وزيري خارجية أميركا وفرنسا وجرى خلاله إستعراض الملف اللبناني.
ثم تتالت عمليات الربط الساذجة الى حدود الغباء السياسي، من الملف النووي الأميركي ـ الايراني ومفاوضات فيينا، الى إنتخابات الرئاسة السورية، الى إنتخابات الرئاسة الإيرانية، وقد جرت كل هذه الاستحقاقات وعاد الرئيس بشار الأسد الى سدة الرئاسة السورية، وإنتخب السيد إبراهيم رئيسي رئيسا لايران، وبلغت المفاوضات النووية مرحلة متقدمة، والحكومة العتيدة ما زالت تنتظر، فيما السلطة تسوم شعبها سوء العذاب من فقر وذل وبطالة وجوع وقهر ويأس وإنعدام لأبسط مقومات العيش الكريم.
وجديد هذا الوهم السياسي هو تعليق الآمال على لقاء وزيريّ خارجية أميركا وفرنسا لتشكيل الحكومة، ومن ثم ربط هذا الملف باللقاء الذي سيعقده البابا فرنسيس في الأول من تموز في الفاتيكان للقيادات المسيحية من أجل البحث والتفكير في مستقبل لبنان.
ثمة حقيقة لبنانية واحدة، أن “دود الخل منه وفيه” وليس الوهم بربط مصير البلاد بكل هذه الاستحقاقات سوى “ذر للرماد في العيون” بإنتظار الحصول على مكاسب سياسية وشخصية في معارك الثلث المعطل، وإستعادة الشارع المفقود، وتحقيق إنتصارات وهمية على حساب الشعب اللبناني المعذب الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة على وقع تعطيل سياسي بات يرتقي الى مصاف الجريمة الموصوفة..
مواضيع ذات صلة: