غياب ثقة الدّاخل والخارج يشلّ لبنان: الإنفراج أو الإنفجار… عبد الكافي الصمد

يكاد لا يمرّ يوم إلّا وتصدر مواقف وتنبؤات تتوقع أيّاماً سوداء قاتمة مقبلة على لبنان واللبنانيين، من إنفلات أمني وانهيار مالي يرافقهما فوضى إجتماعية وأزمة معيشية في غاية الصعوبة لم يعرفها لبنان من قبل، وأنّ المرحلة المقبلة مصيرية بالنسبة لبلد توقع كثيرون إختفاءه عن الخارطة إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من التقهقر.

أكثر من ذلك، فقد ذهبت هذه المواقف والتنبؤات إلى حدود وضع مواعيد زمنية لهذا الإنهيار المتوقع باليوم والسّاعة، وكأنّ الأمر بات يشبه مواعيد سحب جوائز اللوتو، أي إذا لم ينهار البلد يوم الاثنين فإنّه سينهار بلا شكّ يوم الخميس، وأنّ ساعة الصفر لهذا الإنهيار ستكون إمّا السّاعة الفلانية قبل الظهر، أو عصراً أو فجراً.

كلّ ذلك يحجب الانظار عن حقائق، عن قصد أو عن غير قصد، لعل أبرزها يتمثل في النقاط التالية:

أولاً: يعرف الجميع في لبنان أنّ كلّ شيء فيه متعلق بالسّياسة من رأسه حتى أخمص قدميه. فكما الأمن سياسي، أي أنّ الإستقرار واستتباب الوضع فيه هو سياسي بالدرجة الأولى، وأنّ التوافق السياسي هو وحده الكفيل بعدم تعرّض البلد لأيّ هزّة أمنية، كبيرة كانت أم صغيرة، والعكس صحيح، فكذلك الإقتصاد والمال ووضع الليرة وقطاعات التربية والصحة والخدمات والسّياحة وغيرها، فإنّ مصيرها مرتبط بالوضع السّياسي إرتباطاً وثيقاً، ترتفع معه وتتحسن نحو الأفضل أو تنزلق وإيّاه نحو الهاوية.

ثانياً: يدرك كثيرون أنّ الأزمات في لبنان مفتعلة، وأنّها كما تنشأ بكبسة زرّ فكذلك إنّها تحلّ بكبسة زرّ مماثلة. فالمشكلة اليوم في لبنان معلقة على تشكيل حكومة جديدة، ولكنّ تعقيدات كثيرة ما تزال تعوق ولادتها، من أبرزها الموقف السعودي السلبي من الرئيس المكلف سعد الحريري، غير أنّ هذا الوضع الصعب واختناق البلد في عنق الزجاجة لن يلبث أن يبدأ بالتلاشي سريعاً أذا ما رضيت السّعودية على الحريري، والتقاه ولي العهد محمد بن سلمان، في إشارة دعم واضحة له. وهي خطوة إذا ما حصلت فإنّها ستحدث إنفراجاً كبيراً في البلد، برغم أن حل ومعالجة وإزالة تداعيات الأزمة المستفحلة منذ نحو سنتين لن يتم بين يوم وليلة.

ثالثاً: يعتبر غياب عنصر الثقة بين أهل السلطة والمواطنين وبين أهل السلطة والخارج من أبرز الأسباب التي تحول دون حدوث إنفراج قريب وسريع. فالخارج يشترط أولاً حصول إصلاحات قبل تقديم أي معونات مالية كي تساعد في الإنقاذ، وأنّ دولاً وجهات مانحة أكّدت أن الأموال والمساعدات جاهزة، لكنّ الحصول عليها يتطلب خطوة أولى تتمثل في تأليف حكومة، وخطوة أخرى تتمثل بإقرار إصلاحات معينة مطلوبة.

غياب هذه الثقة يمتد إلى الداخل. ففي حين تتحدث السلطة عن أنّ تأمين مبلغ خمسة مليارات دولار كفيل بتجميد الأزمة، والبدء بمعالجتها، تشير الأرقام إلى أنّ التحويلات المالية التي دخلت إلى لبنان العام الماضي تجاوزت 7 مليارات دولار، فضلاً عن مبلغ أكبر دخل نقداً عبر العائدين من بلاد الإغتراب، ولكنّ هذه المبالغ موجودة في جيوب وخزائن أصحابها الخاصة في البيوت، بعدما فقدوا الثقة بالقطاع المصرفي والدولة، وعندما تستعيد المصارف والدولة ثقة المواطنين عندها يمكن القول إنّ الأزمة ستنفرج من تلقاء نفسها.

ولكن كيف تستعيد المصارف والدولة ثقة الداخل والخارج وهي غير واثقة من نفسها، ولا تقدم على أي خطوة في هذا الإطار، ولو رمزية؟


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal